رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عيد النصر

وافق الأمس الذكرى الـ 64 لما يُسَمى في التاريخ الرسمي المصري عيد النصر، وهو يوم انسحاب القوات البريطانية والفرنسية من مدينة بور سعيد الباسلة بعد العدوان الثلاثي الذي بدأ في 29أكتوبر1956 تنفيذا لمؤامرة بين بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ولست من أنصار التوسع في استخدام مصطلح المؤامرة، فليست كل الأعمال التي تقوم بها الدول تحقيقا لمصالحها وتتعارض مع مصالحنا مؤامرات وإنما هي طبيعة التفاعلات الدولية التي تنطوي على تعارض للمصالح أكثر مما تتضمنه من تعاون، ولكن العدوان الثلاثي كان مؤامرة بالمعنى الحرفي للكلمة فقد اتُفق عليه بعيدا عن المؤسسات الدستورية في أطرافه، والأهم أنه انطوى على كذبة مفادها أن التدخل العسكري البريطاني-الفرنسي في منطقة قناة السويس جاء لحماية الملاحة في القناة من تداعيات الاشتباك العسكري بين مصر وإسرائيل، فيما كانت القوات الإسرائيلية بالغة التعثر في هجومها الذي تصدت له ببسالة القوات الموجودة في الخطوط الأمامية قبل أن يصلها الدعم من القوات الاستراتيجية في العمق لدرجة أن القيادة الإسرائيلية فكرت بجدية في إلغاء العملية عندما تأخر التدخل البريطاني-الفرنسي، وقد تولدت فكرة العدوان نتيجة التقاء المصالح البريطانية-الفرنسية التي لم تصدق الضربة التي وجهها عبدالناصر لمصالحها بقراره تأميم شركة قناة السويس، فضلا عن ثأر خاص لفرنسا بسبب دعمه الفاعل لحركة التحرير الجزائرية وتحسب لإسرائيل من تهديد مصري خطير لأمنها بعد صفقة الأسلحة التشيكية اسما والسوفيتية فعلا في سبتمبر 1955 وهكذا التقت إرادات الدول الثلاث على التخلص من عبد الناصر ونظامه.

وقد دفعني للكتابة في هذه المناسبة اعتباران أولهما أن التغيرات المتلاحقة التي ألمت بالمنطقة قد شهدت حوارات تضمنت تشكيكا في مسلمات تتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي وكأن الأطراف العربية هي المسئولة عن إهدار فرص السلام مع إسرائيل، وأن السلوك غير الرشيد لهذه الأطراف قد أفضى لتكلفة فادحة منها، مثلا أن سيناء قد احتلت مرتين بسبب هذه السياسة، والثاني أنني أحسست غير مرة في حواراتي مع طلبتي بغياب الوعي بحقائق أساسية في تاريخ مصر المعاصر، وهو وعي لا غنى عنه لمواجهة التحديات الجسام التي تواجهها في سعيها الدءوب للتقدم واحتلال المكانة اللائقة بها، ومن الظلم لمصر وشعبها أن يُقال ببساطة إن سيناء احتلت مرتين وكفى، فلا مشابهة بين المرتين موضوعيا لأن سيناء احتلت في الثانية (1967) نتيجة تقصير جسيم نجم عن خلل أكثر جسامة في النظام السياسي وانعكاساته على القوات المسلحة، أما في الأولى(1956) فالأدق هو أن الجيش المصري بعد أدائه البطولي في الأيام الأولى للقتال قد انسحب بقرار من عبد الناصر بعد أن كان قد دُفِع لدعم القوات الأمامية التي تمكنت من تعطيل القوات الإسرائيلية وإلحاق خسائر فادحة بها، وذلك بعد انكشاف مؤامرة العدوان وهي استدراج الجيش إلى عمق سيناء لصد العدوان الإسرائيلي بحيث يصبح بين طرفي كماشة الهجوم الإسرائيلي في سيناء والتدخل البريطاني-الفرنسي في منطقة القناة فيسهل القضاء عليه، وقد نفذ الجيش خطة الانسحاب بمنتهى الحرفية بحيث لم تكن القوات الإسرائيلية تكتشف انسحابه إلا بعد أول ضوء، وفي إحدى المرات اشتبكت مع بعضها ظنا أنها تضرب أهدافا مصرية، ولم تتمكن من الاستيلاء على الممرات الاستراتيجية إلا بعد أن أخلتها القوات المصرية، أما معركة شرم الشيخ فيجب أن تُسَطر في التاريخ الوطني والعسكري المصري بأحرف من نور حيث ضرب قائد الموقع ورجاله أروع الأمثلة في الانضباط والبطولة والفداء، إذ كان تقديره أن الصمود في موقعه أجدى من الانسحاب فاستأذن القيادة العليا في القتال لآخر طلقة وآخر رجل وصمد طويلا وكبد القوات الإسرائيلية خسائر فادحة، ووجه الدعم القادم له بحرا إلى أقرب ميناء سعودي حتى لا يتعرض لخسائر دون جدوى، وقد أدى له القائد الإسرائيلي التحية العسكرية بعد سقوط موقعه ويُقال إن بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي قد سخر من موشيه ديان وزير دفاعه عندما بشره بسقوط شرم الشيخ باعتبار المعركة دلالة على خيبة القوات الإسرائيلية، وذلك بالإضافة إلى الهجمات الجوية المصرية في العمق الإسرائيلي والبطولات الخارقة للبحرية المصرية ناهيك عن بطولات المقاومة الشعبية في بور سعيد، التي أعطتها الكاتبة الكبيرة سكينة فؤاد حقها في هذه الصفحة.

والآن لنأتي إلى حسابات النصر والهزيمة، فالشائع عند خصوم نظام عبد الناصر أنها الهزيمة بعينها، ولا أدري كيف يستقيم هذا مع نتائج العدوان الذي تكالبت فيه دولتان كبريان مع إسرائيل ضد مصر لوضع حد لسياستها الاستقلالية التي هددت مصالح قوى العدوان لا في مصر وحدها وإنما في المنطقة بأسرها، بل لدى كل الشعوب التي كانت تناضل في سبيل حريتها فماذا كانت النتيجة؟ لم تتمكن قوى العدوان سوى من الاستيلاء على سيناء التي أخلاها الجيش المصري للتصدي لقوات الغزو في القناة ومدينة بور سعيد بعد مقاومة شعبية هائلة أرهقت قوات الغزو لاحقا، والأهم أن عدالة قضية مصر وصمود شعبها والتأييد العربي الكاسح والتعاطف الذي أبدته شعوب العالم الثالث بل قطاعات من الرأي العام الأوروبي بما في ذلك داخل بريطانيا نفسها، واعتراض الرئيس الأمريكي أيزنهاور على العملية برمتها فيما يمثل بيضة الديك بالنسبة للسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل والإنذار السوفيتي الشهير لقوى العدوان كلها عوامل أدت إلى انسحاب المعتدين من بور سعيد في 23ديسمبر ومن سيناء في 1مارس1957، أما عبد الناصر الذي أرادوا إسقاطه فقد أصبح ملء السمع والبصر قائدا للعرب وشعوب العالم الثالث، وأما خصومه رئيسا الوزراء البريطاني والفرنسي فقد فقدا منصبيهما بعد فشلهما الذريع وافتضاح المؤامرة، بل إن الجمهورية الفرنسية الرابعة ذاتها سقطت بقدوم ديجول للحكم بانقلاب 1958 ليسلم باستقلال الجزائر فما أجدر المناسبة بوصف عيد النصر.


لمزيد من مقالات د. أحمد يوسف أحمد

رابط دائم: