رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حصاد الإرهاب فى 2020

ونحن نودع عام 2020 بكل ما شكله من استثناء على مستوى العالم وبكل ما حمله من أحداث بدءا من ظهور جائحة كوفيد-19 وصولا الى ظهور الطفرة الثانية من الفيروس، وما بينهما من حالة إغلاق تام دامت لأشهر، مما تسبب فى أكبر أزمة اقتصادية يشهدها العالم بعد الكساد الأعظم، بقى هناك عدو آخر يقتات فى الظلام ويستغل سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية،وانشغال القوات الأمنية فى مواجهة الجائحة،من اجل تنفيذ مخططاته واستقطاب مجنديه، وإعادة ترتيب أوراقه فى المناطق التى منى بها بهزائم سابقة او خسر فيها احدا او مجموعة من قيادييه.

رغم تواريه إعلاميا فى عام طغت فيه اخبار كورونا المستجد على شاشات الأخبار، فإن الإرهاب لا يزال يشكل العدو الاول للإنسانية، ولايزال خطره يتمدد رغم كل ما يقال عن خسارته للأرض (داعش) او خسارته لقيادييه (القاعدة). اذا كان تنظيم داعش قد خسر، فى 2019، الأرض التى سيطر عليها، فإن عام 2020 كان كارثيا على القاعدة التى فقدت العديد من الشخصيات الرئيسية، بما فى ذلك كبار أعضاء قيادتها المركزية ورؤساء الفروع الإقليمية فى جميع أنحاء العالم. الا ان ذلك لا يعنى انه تم القضاء على التنظيمين او الانتصار على الإرهاب. وفى وقت تتضارب فيه الأنباء حول مصير زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، الذى اختفى عن الأنظار، مع تضارب فى الأنباء حول حقيقة وفاته نتيجة إصابته بمرض عضال، كانت الضربات الجوية الأمريكية فى اليمن وسوريا والصومال والمناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان من جهة، والعمليات التى كانت تنفذها فرنسا فى منطقة الصحراء الكبرى فى غرب إفريقيا من جهة أخرى، مصدر تهديد للتنظيم وأحد الأسباب الرئيسية لخسارة قادته (مقتل زعيم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب عبد المالك درودكال، ومقتل زعيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية قاسم الريمي، وغيرهما) واستنزاف قدراته وإضعافه من الداخل.

ومع ذلك لا يزال تنظيم القاعدة يشكل تهديدا حقيقيا، خاصة فى دول القارة الإفريقية التى تواجه حاليا تصاعدا فى العمليات الإرهابية بفعل المنافسة بين تنظيمى القاعدة وداعش اللذين نقلا مركز ثقلهما من مناطق نفوذهما التقليدية فى سوريا والعراق الى الجماعات المرتبطة بهما فى غرب وشرق القارة الإفريقية، بالإضافة الى أفغانستان. وحسب مؤشر الإرهاب العالمى 2020، فإن إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى كانت الأكثر تضررا مع وجود سبع من أكثر عشر دول شهدت ارتفاعا فى عدد الضحايا، فى هذه المنطقة. وقد تم تسجيل 1168 هجمة إرهابية فى إفريقيا فى الفترة من يناير إلى أغسطس 2020 , وقد انتشرت العمليات الإرهابية ووصلت إلى مناطق مثل منطقة البحيرات الكبرى وجنوب إفريقيا، وإلى دول مثل موزمبيق والدول الساحلية فى غرب إفريقيا.

أما أوروبيا، فبعد ان كانت أوروبا تعتبر الإرهاب مستوردا، أصبحت تتعرض بشكل متزايد الى تهديدات ومخاطر أمنية محلية، وبات الإرهاب يأتيها من الداخل مع استمرار الدعاية المتطرفة على الانترنت التى تنجح دائما فى استقطاب عناصر جديدة تدفعها لتنفيذ عملياتها. وقد شهدت دول أوروبا عددا من العمليات الإرهابية خلال عام 2020، كانت فى الغالب عمليات محدودة، على غرار الذئاب المنفردة. ورغم محدودية هذا النوع من العمليات فإنها أثارت الكثير من الرعب، ابرزها عملية ذبح استاذ التاريخ فى فرنسا، وعملية ذبح القس فى نيس الفرنسية، وكذلك ما شهدته العاصمة فيينا من عملية قتل عدد من المدنيين. واذا كانت أوروبا تنظر الآن الى مقاتليها فى سوريا والعراق على انهم يشكلون أكبر تهديد للأمن القومي، وبالتالى ترفض استعادتهم، فإن التهديد الداخلى بات مقلقا أيضا.هذا ما دفع بعض الدول الى محاولة تجفيف منابع الإرهاب فى الداخل الأوروبى من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات ضد جماعات الإسلام السياسي، حيث قامت فرنسا، تحديدا، بغلق بعض مراكز جماعة الإخوان، وتعقب مصادر تمويل بعض الجمعيات، ومتابعة بعض عناصرها المتهمين بالتحريض على التطرف والإرهاب.

من خلال هذه القراءة الموجزة، هناك ملاحظتان: أولاهما، إن المعركة الاساسية القادمة ضد التنظيمات الارهابية ستكون القارة الإفريقية التى ستتحول الى ساحة للإرهاب العالمى خلال العقد المقبل. ومن المتوقع ان تشهد المنطقة منافسة شرسة بين تنظيم القاعدة الام، وتنظيم داعش، هذا اذا لم يظهر جيل ثالث من الإرهاب يكون جل قيادييه من أبناء المنطقة. الثانية، رغم كل الإجراءات المبذولة من أجل القضاء على الإرهاب، يبقى الحل الأمثل لعنف التنظيمات الإرهابية وذئابها المنفردة، وما تمثله من تحديات،هو تجفيف منابع الإرهاب والتصدى بفاعلية لأسبابه المختلفة، من خلال احترام مبادئ المواطنة وعدم التمييز أو الإقصاء المبنى على الدين (أوروبيا)، وتوفير فرص عمل للشباب وتحقيق الاستقرار السياسى مما يجعل حياة العنف أقل جاذبية للمواطنين (إفريقيا).


لمزيد من مقالات وفاء صندى

رابط دائم: