رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فرنسا وقانون قمع الحريات

خلال السنوات الأخيرة، وجهت انتقادات للشرطة الفرنسية بسبب استخدامها العنف المفرط خاصة تجاه الأقليات من أصحاب الأصول العربية والإفريقية. وكان آخر هذه التعسفات ما تعرض له منتج موسيقى من أصول إفريقية فى باريس، خلال الأسبوع الماضي، من ضرب مبرح على أيدى عناصر الشرطة بسبب عدم ارتدائه الكمامة الواقية من كورونا. وقبل ذلك تدخلت الشرطة بشكل عنيف لتفكيك مخيم للمهاجرين أقيم فى ساحة الجمهورية وسط باريس. وهاجمت الشرطة، أخيرا، صحفيين امام عدسات الكاميرا وهواتف المواطنين مما أثار استياء الرأى العام. وفى وقت سابق من أبريل 2019، أظهر مقطع فيديو رجل شرطة يطلق النار على رأس شاب فى أثناء توقيف مجموعة من الأشخاص. وخلال احتجاجات السترات الصفراء تم تسجيل العديد من التجاوزات الأمنية. هذه الانتهاكات تأتى فى سياق حساس تميز بتوتر العلاقة بين المؤسسة الأمنية وجزء من الرأى العام الفرنسي، خاصة فى ظل غياب أى تتبع قضائى وإدارى ينصف ضحايا هذه الاعتداءات. والحق يقال إن العنف الذى يمارسه بعض عناصر الشرطة الفرنسية على المواطنين وعلى المتظاهرين ما كان ليكشف لو لم تلتقطه عدسات صحفيين وهواتف المواطنين. وقد تحول هذا العنف إلى أزمة سياسية فى فرنسا فى وقت يحاول فيه البرلمان تمرير قانون مثير للجدل يعرف بقانون الأمن الشامل، الذى يعزز سلطات الشرطة فى المراقبة، مقابل تجريم نشر صور أفراد الشرطة فى أثناء تدخلهم لضبط الأمن.

الجدل بخصوص هذا القانون يدور بصفة خاصة حول المادة 24، التى ينظر إليها على أنها تهديد للحريات، لاسيما حرية الصحافة. وتنص هذه المادة على منع وتجريم التقاط صور وفيديوهات لقوات الأمن وهى تؤدى عملها، بنية فضح تجاوزاتها والتشهير بها فى مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام، مثلما جرت العادة، خلال قمع الاحتجاجات. ويفرض هذا القانون عقوبة السجن لمدة عام وغرامة تبلغ 45 ألف يورو على كل من ينشر صورا لوجه أو أى علامة تعريف لشرطى أو دركى خلال أداء عمله بهدف إيقاع أذى جسدى أو نفسى به.

مادة أخرى من مشروع القانون تثير جدلا، أيضا، لكن بدرجة اقل من المادة 24، ويتعلق الامر بتعديل الإطار القانونى الذى ينظم اللجوء إلى الطائرات المسيرة وكاميرات المراقبة التى يحملها بعض ضباط الشرطة فى الفضاء العام. هذا الامر الذى ترفضه شرائح واسعة من الفرنسيين، لاسيما وسائل الإعلام والجمعيات الحقوقية التى ترى فيه تكميما للأفواه ومساسا خطيرا بحرية التعبير وبالحقوق الأساسية للمواطن. بالنسبة لوزير الداخلية الفرنسي، وشركائه فى صياغة مشروع القانون فإن الهدف من الأمن الشامل هو حماية من يقومون بحمايتنا، والمقصود بذلك حماية قوات الأمن التى باتت تستخدم العنف بشكل متزايد مما جعلها تواجه مشاعر عدم ثقة متصاعدة، تقابل أحيانا بالعنف. ويعتبر المدافعون عن مشروع القانون أنه لن يؤثر على العمل الصحفى حيث سيكون الصحفيون قادرين على تصوير أى عملية تدخل للشرطة. لكن يبقى نشر وجوه رجال الامن المرتكبين العنف او المتجاوزين حدود سلطتهم، ضروريا لكشف كل التجاوزات، وضروريا لقياس مؤشر الديمقراطية ولكشف عنف الشرطة والأخطاء الفادحة التى ترتكبها.

امام تصاعد تجاوزات رجال الشرطة ورغبة الداخلية الفرنسية فى تقوية السلطة الأمنية وتعزيز سيطرتها على جميع المواطنين، وليس فقط على الجانحين، مقابل تقييد الحريات الأساسية، خرج الفرنسيون فى احتجاجات عارمة، نهاية الأسبوع الماضى.هذه التظاهرات وتداعياتها السياسية جعلت الجدل يتسع ليشمل قانون الامن الشامل بصفة عامة، وليس فقط المادة 24 منه.ما يجعل فرنسا فى مأزق حقيقي، وسياسيها مطالبين بإيجاد مخرج لهذا القانون، والتحدى ليس فى إبقائه او سحبه، ولكن التحدى الحقيقى فى إيجاد صيغة للتوافق بين فرض الحزم الضرورى للحفاظ على الامن العام واحترام حرية المواطنين.

كانت فرنسا تتميز بكفاءة الشرطة فى الحفاظ على النظام، حيث تسببت المظاهرات فى إصابات قليلة للغاية، لكن مع البدء فى استخدام فرق مكافحة الجريمة للحفاظ على النظام، بدا هناك انجراف نحو سياسات تركز فقط على السيطرة والقمع.هذا الواقع يسائل الآليات القانونية والمؤسساتية المعتمدة للحد من هذه التجاوزات فى دولة تدعى فى كل المناسبات انها راعية للحريات والحقوق والمواطنة، بينما فى الواقع فهى تكيل بمكيالين ومفهوم الحرية لديها غير ثابت، بل يحتمل أكثر من معنى. فرنسا تدعى انها تدافع عن حرية التعبير عندما يتعلق الامر بالإساءة الى الرموز الإسلامية، وفى ذات الوقت تريد تجريم من يستخدم حرية التعبير فى الكشف عن انتهاكات الشرطة.والغريب أيضا ان راعية الديمقراطية والحريات تولى مهمة التحقيق فى انتهاكات الشرطة الى المفتشية العامة للأمن الوطنى. ونادرا ما تفضى تحقيقات هذه الاخيرة إلى إدانة واضحة او عقوبات رادعة فى حق المخالفين مما قاد الى التشكيك فى مصداقيتها.


لمزيد من مقالات وفاء صندى

رابط دائم: