متابعة تطورات فيروس كورونا على مستوى العالم، تبدو مقلقة، لاسيما بعد عودة تزايد أعداد المصابين بشكل مزعج للغاية، وهو ما يؤكد أن الموجة الثانية أكثر شراسة، بحسب تصريحات منظمة الصحة العالمية. ولكن هل أعداد الإصابات عندنا لا تدعو للقلق، فزيادتها مقارنة بدول أخرى، تبدو قليلة تماما؟
الحقيقة أن هذا الأمر يدخل فى إطار تعميق البحث و الدراسة، فمنذ شهور عديدة سمحت الدولة لبعض الجهات غير الحكومية بعمل مسحات الكورونا، تخفيفا عن الجهات الرسمية، ومنذ ذلك الحين و حتى اليوم، ومع ما تعلنه وزارة الصحة عن أعداد الإصابات اليومية، بتنا لا نعرف هل هذه الأعداد شاملة المسحات التى قامت بها الجهات الخاصة، وثبتت إيجابيتها أم لا؟ أغلب الظن، وليس كله إثما، الإجابة بالنفى، وهذا ينقلنا لمنعطف مقلق عن دقة أرقام الإصابات اليومية، ومع متابعة الأخبار المحيطة بنا فى دوائر مختلفة، مثل الجيران والأقارب.. إلخ نلاحظ زيادة مطردة فى أعداد الإصابات. وهذا ينقلنا لتصريح مهم، اختص به د. حسام حسنى أستاذ الأمراض الصدرية بطب قصر العينى رئيس اللجنة العلمية بوزارة الصحة «الاهرام» حول فيروس كورونا، الاثنين الماضى، اختتمه بمطالبة المواطنين بتوخى الحذر، والالتزام التام بالإجراءات الاحترازية فى الفترة المقبلة، حتى لا تدخل البلاد فى منعطف لا يحمد عقباه.
فمع عدم دقة الأرقام المعلنة عن الإصابات، لاسيما المتعلقة بالمسحات التى تقوم بها جهات خاصة، وثبتت إيجابيتها، ولنا فى المسحات التى تقوم بها الأندية قبل انعقاد المباريات عبرة، بعد ما فوجئنا بإصابة عدد من اللاعبين، وكانت مفاجأة للمتابعين، رغم التشديد على ضرورة اتباع الإجراءات الاحترازية. يكون من المهم، أن نسبق بخطوة، فلا داعى لأن تكون قراراتنا رد فعل، حيث أنه من الضرورى اتخاذ بعض التدابير التى من شأنها تقليل الإصابات، ومنها تفعيل التباعد الاجتماعى بكل الوسائل الممكنة. فمع وصول أعداد طلاب مرحلة التعليم قبل الجامعي فى جميع نوعياته لـ 23567060 طالبا فى التعليم قبل الجامعى، كما أعلنت ذلك وزارة التربية والتعليم في فبراير الماضى، أما أعداد طلاب التعليم الجامعى وفقا لما أعلنه الجهاز المركزى للمحاسبات فى 16 نوفمبرمن العام الماضى، فهو 3.103 مليون طالب، ومن المؤكد أن هذا الرقم قابل للزيادة هذا العام، أضف لهذا الرقم عدد العاملين بالجهاز الإداري للدولة، وكذلك العاملون بالقطاع الخاص، سنجد أننا أمام رقم كبير جدا، يستعمل المواصلات العامة كل يوم، ولنكن صادقين ومنصفين، الغالبية العظمى منها، لا تطبق الإجراءات الاحترازية كما ينبغى، وهو ما يؤكد أننا أمام مشكلة كبيرة جدا بكل المعايير.
فيكفى أن تشاهد ما يفعله ركاب مترو الأنفاق، الذى يصل عدد ركابه لنحو 981 ألف راكب، خلال 1124 رحلة بالخطوط الثلاثة، طبقا لما أعلنته هيئة مترو الأنفاق فى 12 أبريل الماضى، ونتذكر جميعا، أنه فى هذا التوقيت، كانت هناك قرارات بتخفيف العمالة وكذلك تشديد إجراءات التباعد الاجتماعى، مما يعنى أن الرقم الحقيقى اليوم يضاعف ذلك بكثير.
ومع استمرار العمل بكامل طاقة العمالة، وكذلك استمرار الدراسة بكامل طاقتها، مع تأكيد عدم تأجيلها، يكون من المفيد وضع تصور سريع، لمجابهة فيروس كورونا، حتى لا تزداد أعداد الإصابات، ونضطر وقتها لاتخاذ قرارات بالغلق، سواء كان كلياً أو جزئياً. مع تفعيل نظام التعليم عن بعد، خاصة لطلبة مرحلة التعليم الثانوى، يكون من الملائم تنظيم أعداد حضور الطلاب للمدارس، بحيث يتم تخفيف الطاقة الاستيعابية، بشكل يضمن تشديد إجراءات التباعد الاجتماعى، فإذا كان من المهم تسليس المنظومة الاجتماعية بما يضمن نجاحها، ففى المقابل ضمان سلامة الطلاب و أسرهم لا يقل أهمية عن نجاح منظومة التعليم التى وجدت لهم.
أما بالنسبة لمنظومة التعليم الجامعى، فهناك كليات يتحتم على طلابها الحضور، خاصة العملية منها، وهذه يمكن دراسة تنظيم حضور طلابها، لأن منهم من يحتاج لعمل مشروعات التخرج، ولا يمكن عملها من خلال التعليم عن بعد، وأخرى يمكن لفكرة التعليم عن بعد أن تؤتى فوائدها دون الحضور الفعلى. وبالوصول لموظفى الجهاز الإدارى بالدولة، أعتقد أنه من اللازم البحث عن تخفيض أعدادهم، ولنا فيما حدث من قبل عبرة، فلم يتأثر العمل، واجتازت مصر تلك المحنة بسلام، لاسيما أصحاب الأمراض المزمنة فهم الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس.
وكذلك الحال فيما يخص كل أماكن التجمعات، أرى ضرورة تخفيض أعداد مرتاديها، بشكل يفرض وجود التباعد الاجتماعى، مثل المقاهى، و المطاعم، ودور العبادة، وكذلك الأندية... إلخ.
وهنا لا أتحدث عن أى نوع من أنواع الغلق، ولكنى أتحدث عن تشديد إجراءات التباعد الاجتماعى، مع المنع التام لدخول أى مكان به تجمع من الناس دون ارتداء الكمامة، فما نشاهده جميعا فى التراخي فى عدم جدية الإجراءات الاحترازية أثره غير محتمل.
وأخيرا، بدأنا إجراءات التباعد الاجتماعى وتشديد الإجراءات الاحترازية بحسم فى مارس الماضى، بعد زيادة عدد الإصابات بشكل مقلق، فهل يمكن لنا معرفة أعداد الوفيات هذه الأيام ومقارنتها بمثيلاتها فى نفس اليوم من العام المنقضى، لنسترشد بها.
فالوضع خطير، ويحتاج لمواجهته بكل سبل الحزم و الحسم.
[email protected]لمزيد من مقالات ◀ عماد رحيم رابط دائم: