رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أزمة الكركرات وفرص الحرب

أمام الاستفزازات المتكررة لجبهة البوليساريو الانفصالية فى معبر الكركرات، وقيامها باستمرار بعرقلة حركة الأشخاص والسلع فى المنطقة ـ كان اخرها ما قامت به،منذ21أكتوبرالمنصرم، من قطع الطريق امام السيارات والبضائع ـ قامت قوات الجيش المغربي، الجمعة الماضي، بالتدخل من اجل إعادة فتح الطريق أمام حركة المرور، مع بناء جدار رملى جديد لمنع عناصر البوليساريو أو أنصاره المدنيين من العودة إلى المعبر.

تعد منطقة الكركرات آخر نقطة حدودية من المنطقة التى تخضع للنفوذ المغربى فى الصحراء المغربية. ويتوافر المغرب فيها على مركز حدودي، ينتهى بعده الجدار الرملى العازل الذى تم تشييده فى سياق وقف إطلاق النار فى 1991 بين المغرب والبوليساريو. هذا الجدار محكم الإغلاق على طول المنطقة، بينما يتبقى معبر برى من بضعة كيلومترات حتى بلوغ حدود موريتانيا.ولم يحدد اتفاق وقف إطلاق النار بشكل صريح جهة تتولى إدارة هذه المنطقة، لكنه كلف قوة مراقبة دولية بالسهر على تنفيذه. وفى ظل غياب اتفاق واضح بشأن المنطقة ظلت موريتانيا تسيطر بحكم الأمر الواقع على أماكن محاذية لساحلها، مثل بلدة الكويرة على المحيط الأطلسي، بينما بقى الشريط الفاصل بينها والمغرب، منطقة مهملة، إلى حين.

بدأت فصول الأزمة فى منتصف أغسطس 2016 عندما أقدم المغرب على تعبيد المعبر لتسهيل وتأمين عبور الشاحنات والعربات نحو موريتانيا، وأيضا لتطهير المنطقة من المهربين والتجارة غير القانونية. هذا الإجراء أثار استياء جبهة البوليساريو التى استشعرت الخطر من خسارتها هذا الصراع المفتعل، وتقدمت بشكوى للأمم المتحدة بأن المغرب خرق اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن رد الأمم المتحدة كان حاسما بأن ليس هناك ما يعتبر خرقا لوقف إطلاق النار. منذ ذلك الحين تقوم البوليساريو بتصرفات استفزازية، ولتفادى التصعيد استجاب المغرب لدعوة الأمم المتحدة فى نهاية فبراير 2017 بالانسحاب من جانب واحد من المنطقة.

ومع ذلك، تقوم البوليساريو من وقت لآخر بإرسال مقاتلين للحد من التنقلات بين المغرب وموريتانيا، ومؤخرا أرسلت مدنيين قاموا بقطع الطريق، مما أدى الى تعليق 108 أشخاص يعملون فى نقل البضائع فى الجانب الموريتانى من الحدود، و78 آخرين فى الجانب الآخر، فى شاحنات من بلدان مختلفة من المغرب وموريتانيا وفرنسا. وقد وجهوا نداء استغاثة إلى كل من الرباط ونواكشوط، قالوا فيه إنهم عالقون عند الكركرات، بعدما منعتهم البوليساريو من العبور.وهذا تحديدا ما دفع المغرب إلى إرسال قواته لإعادة فتح الطريق بطريقة غير هجومية ودون أى نية قتالية، مع الحرص التام على تجنب أى احتكاك بالمدنيين أو اللجوء إلى استخدام السلاح، إلا فى حالة الدفاع عن النفس كما جاء فى بيان القوات المسلحة المغربية..

حساسية هذه المنطقة تعود لموقعها الإستراتيجى بين جنوب المغرب وموريتانيا.فهى البوابة الوحيدة التى تربط المغرب بإفريقيا، خاصة بعد غلق الحدود البرية بين المغرب والجزائر سنة 1994 والتى لا تزال مغلقة إلى حدود اليوم رغم مطالب الرباط المتكررة بفتح الحدود فى الاتجاهين. بالتالى فهذا المعبر يشكل شريان الحياة للتبادل التجارى بين المغرب وباقى القارة الإفريقية، التى يقوم فيها المغرب باستثمارات كبيرة. فى المقابل، تحاول جبهة البوليساريو تغيير الوضع التاريخى والقانونى الذى حدده اتفاق وقف إطلاق النار محددة فى 3.7 كلم والتى تفصل عن موريتانا بـ11 كيلومترا. وهى تسعى جاهدة الى استفزاز المغرب بشتى الوسائل من اجل تحقيق هدفها المتمثل فى إغلاق المعبر. وهذا الامر يبقى غير مطروح بالنسبة للجانب المغربى الذى لن يقدم أى تنازلات بخصوص الكركرات، الذى لا تراه الرباط مجرد شريان اقتصادى غاية فى الأهمية فقط، بل هو صلة وصل بينها وبين إفريقيا التى تقع فى صلب اهتمامات المغرب وإحدى أولويات سياسته الخارجية.

بعد تدخل الجيش المغربى لمنع التدخلات غير الشرعية ووضع حد للاستفزازات المستمرة لجبهة البوليساريو، أصدر زعيم الجبهة، إبراهيم غالي، مرسوما يقضى بإنهاء الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار. وهو ما يعنى إعلان حرب وتمهيد الطريق نحو مواجهة عسكرية بين الجانبين. ربما هذا ما تسعى اليه البوليساريو منذ البداية.

ومع ذلك يبقى خيار الحرب هو الأصعب على كل أطراف النزاع. فتكلفة أى تدخل عسكرى فى منطقة تشهد نشاط الجماعات الإرهابية وعصابات الاتجار فى الممنوعات ستكون عالية، ولن تعود بالنفع إلا على تلك الجماعات والعصابات التى ستسعى لنقل امتدادها إلى حدود الصحراء. كما ان الجزائر التى تعرف حدودها الشرقية والجنوبية تهديدات أمنية، فهى لن تجازف بالسماح بالدخول فى حرب أيضا على حدودها الغربية. المطلوب هو ضبط النفس والعودة الى المسار الأممى مع اعتماد حل الحكم الذاتى كحل نهائى لهذا الصراع الذى طال أمده.


لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى

رابط دائم: