يقدر عدد الشباب فى الفئة العمرية من (18 ــ 29 سنة)، وفقا لما أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء في 11 أغسطس الماضى بـ 20.6 مليون نسمة بنسبة 21% من إجمالى عدد السكان، ولو أضفنا لهم عدد الطلاب فى المدارس فى فئات عمرية أقل ولتكن حتى الـ 15 عاما، فمن المؤكد أن العدد سيزداد.
فى لقاء جمعنى بصديق، لم نلتق منذ سنوات، حكى لى عن نجله البالغ من العمر 20 عاما، الطالب بإحدى الكليات المرموقة، وقد لفت نظره، تغير طرأ على نجله، باتت اهتماماته مختلفة، بعد أن كان يولى دراسته أهمية كبيرة، لاحظ تراجع مستواه التعليمى بشكل لافت، مما أصابه بالانزعاج الشديد، فقلت له، وماذا عن نشاطه الرياضى، قال، لا يمارس الرياضة حاليا، بعد أن كان يمارس أحد الألعاب الرياضية بناد كبير، وبعدما لم يجد الرعاية اللازمة من الاهتمام الطبيعى بتلك اللعبة، انصرف وعدد من ممارسيها من أصدقائه عنها، وبدأ فى متابعة عدد من قنوات اليوتيوب، تقدم محتوىً فارغا لأُناس باتوا نجوماً ولهم متابعون، يقدمون قيما عجيبة وغريبة، هى بكل تأكيد دخيلة على مجتمعنا الشرقى.
استمر الحوار لفترة طويلة، استشعرت خلاله، مرارة الصديق، حيث أكد أنه لم يُقصر فى حق نجله، فهو يواصل الليل بالنهار، ليوفر له حياة كريمة، وقد ساعده بدخول إحدى الجامعات الخاصة، المعروف عنها كلفتها العالية، المهم أنه سعى لفتح حوار مع نجله أملاً فى تعديل اهتماماته، حتى يستعيد تفوقه العلمى المأمول، ولم يسع بأى طريق آخر، عملا بالحديث النبوى الشريف، لاعبه سبعا، وأدبه سبعا، وصاحبه سبعا، ثم أطلق له الحبل، ولأن نجله في نهاية السبع الثالثة، فلا بديل عن الحوار.
ثمنت طريقة تعامله، فالحل الأمثل هو دحض الفكرة بالفكرة، حتى تؤتى ثمارها، وعليه مواصلة مسعاه، بنفس الآلية، واقترحت عليه تنوع الحوار وتطرقه لمجالات مختلفة من السياسة والدين والاجتماع وصولاً للعلم، لأنه الطريق الجيد لتحقيق الطموح، على ألا يتركه فريسة سهلة لتلقى المعلومات من مصادر غير آمنة، مع محاولة إقناعه بممارسة الرياضة مرة أخرى، وليكن في لعبة أخرى.
انتهي الحديث مع الصديق، ووجدتنى أضع يدى على بعض النقاط المهمة:
للأسرة دور محورى وأساسى فى تشكيل عقل ووجدان الأبناء، ولكن مع التطور العلمى والتكنولوجى الكبير، اختلفت سبل التعامل والتعاطى مع الأجواء المحيطة، فكانت مصادر الاطلاع والمعرفة فى الماضى بسيطة ومحدودة للغاية، اليوم اختلفت الأطر وتنوعت، وباتت أكثر يسراً وسلاسة، وبتنا فى وضع أشبه بالعملة التى لها وجهان.
الأول مفيد، فهو يغذى فكرة التنوع فى مصادر المعلومات، مع يسرها، أضحى الوصول للمعلومة من البدهيات العادية، أما الثاني، فهو عدم السيطرة على تلك المصادر، لاسيما مع بزوغ نماذج غير جيدة، أمسى لها متابعون كُثر بشكل لافت، بات لها تأثير على عدد كبير من الشباب، منهم الساعى للاقتداء بهم! مع لجوء الدولة للتعليم عن بعد، بسبب جائحة كورونا، ومع عدد طلاب فى كل المراحل التعليمية يفوق الـ 20 مليون طالب، بات التعاطى مع الإنترنت فرضاً، كما باتت متابعة الأسر للأبناء فى المقابل أمراً صعباً.
فما العمل؟
يجب أولاً دراسة الأجواء المحيطة بشبابنا بشكل محترف، لمعرفة كيفية التحرك صوب بناء عقل واع لهم، وهذا جانب مهم للغاية، وبوضوح وصراحة، نحن فى حاجة لأُطر جديدة شكلاً ومضموناً، فى طرائق التعامل مع الشباب، لأن التعامل بثقة فى أن الأبناء فى أفضل الأحوال، ثقة فى غير محلها، ولا أعرف مصدرها، لأن التعامل بالآليات القديمة مع الجيل الجديد، خطأ، الاستمرار فى التعامل به، سيكون له عواقب يصعُب إدراكها.
ثانيا، من المهم وجود هدف أسمى يسعى الباب للاقتداء به من خلال بناء نماذج مشرفة، وتسليط الضوء عليها، فى كافة المجالات، وعندنا منها عدد مشرف، مثل د.مجدى يعقوب فى الطب، والنجم محمد صلاح فى الرياضة، ويتبقى إظهار النماذج الإيجابية من خلال البحث عنها، لأن ترك الساحة خاوية على النماذج التى تستهوى الشباب والتى ترسخ قيما غير محبوبة أمر مآله الندم.
وذلك من خلال العمل على جناحين، الأول، تقديم محتوى إعلامى مختلف يجذب الشباب، يهتم به وبأفكاره، يغذى حافز الطموح لديه، فمن غير المعقول أن تكون البرامج التى تهتم بتقديم الوجبات بكل هذا الكم الكبير، مقارنة بما يتم تقديمه لهم! وهذا يعكس مدى الاهتمام بغذاء المعدة مقارنة بغذاء العقل!
الثانى، السعى بجدية نحو عمل مشروع قومى لتوجيه الشباب للرياضة، فعندنا عشرات الأندية ومئات مراكز الشباب على مستوى الجمهورية، وعدد المشاركين من الشباب نسبتهم ضئيلة للغاية، وهذا أمر محير، لماذا انصرف الشباب عن ممارسة الرياضة، وكيف نوجد الحافز القوى لممارستها مرة أخرى؟.
أين دور المدرسة والجامعة من ممارسة الرياضة، وأين المسابقات التى توجد الحافز لممارستها؟، ولأن التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر، أيضا من شب على شىء شاب عليه.
إن هذا العدد الكبير من الشباب هو ثروة قومية عظيمة، يجب علينا تنميتها ورعايتها والحفاظ عليها فهم عماد أمتنا ومستقبلها.
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: