-
أول كتابها الإمام محمد عبده الذى التزم البعد عن السياسة
«الأهرام هى ديوان الحياة المصرية المعاصرة. حفظت الأهرام دقائق الحياة المصرية منذ خمس وسبعين عاما على اختلاف ألوان هذه الحياة وتباين فنونها ومذاهبها. حفظت الأهرام دقائق الحياة السياسية منذ أواخر عهد إسماعيل فسجلت ما كان بين مصر وبين أوروبا من تقارب وتباعد وتواصل وتقاطع، فى تلك الفترة الدقيقة من حياة المصريين، وسجلت الثورة والاحتلال، وسجلت المقاومة المصرية الخفية ثم المقاومة المصرية الظاهرة ثم الثورة على الاحتلال والمحتلين، ثم ما كان بعد ذلك من الأحداث الجسام التى تتابعت إلى الآن».
.....................
هذا جزء من تقديم طه حسين لكتاب: «جريدة الأهرام: تاريخ مصر فى خمس وسبعين سنة، الدكتور إبراهيم عبده، الطبعة الأولي، دار المعارف بمصر، 1951.
تقع الطبعة الأولى من الكتاب فى 552 صفحة من القطع الكبير، إضافة إلى تسع صفحات تشمل تقديم الدكتور طه حسين، وكلمة للأستاذ عزيز ميرزا، رئيس تحرير الأهرام بالنيابة حينها. يحوى الكتاب خمسة كتب، كل كتاب منها ينقسم إلى أبواب عدة، وبالتالى فإن الكتاب يكاد يكون موسوعة ضخمة عن جريدة الأهرام وتاريخها المشرق. يشرح المؤلف فى المقدمة كيف تبلورت فكرة الكتاب، وهو أنه عندما أهدى المؤلف نسخة من كتابه تاريخ الوقائع المصرية إلى جبرائيل تقلا صاحب الأهرام، والذى طبعته مطبعة بولاق عام 1942، أبدى جبرائيل تقلا أمنيته أن يصدر كتابا على غراره عن الأهرام بمناسبة بلوغها 75 عاما. يقول إبراهيم عبده:»منذ ذلك الحين تشغلنى فكرة صاحب الأهرام، فتوافرت على دراسة صحيفته متمهلا حتى إذا حل عام 1948 أقبلت على بحث تاريخها زهاء ثلاث سنوات، وسجلت ذلك كله فى هذا الكتاب الذى يصدر فى عيد الأهرام الماسي، مشتملا على صور واضحة لهذا التاريخ الزاخر بالعبر والعظات».
الكتاب الأول دراسة الأهرام فى الفترة من1875ــ 1882، أى من يومها الأول وحتى الاحتلال الإنجليزى لمصر ويختص بالصحافة فى مصر وتاريخها وإنشاء الأهرام وتحريرها وبدار الأهرام ومحرريها وسياستها خلال تلك الفترة. وتناول باختصار تجربة الصحيفتين اللتين أنشأهما نابليون بونابارت مع بدء حملته على مصر، وهما «كورييه دولجبت» و»لاديكاد اجبسين». وكانتا تصدران باللغة الفرنسية، ووصفهما بأنهما لا تمثلان الصحافة المصرية فى شيء. تبع ذلك تأسيس محمد على للوقائع المصرية سنة 1828، لتكون الصحيفة العربية الأولى فى الشرق العربي. يصفها المؤلف بأنها كانت وسيلة من وسائل الحكم وعنوانا للدولة ووثيقة تؤرخ نشاط الحكومة، كما كان لها نصيب فى التوجيه والإرشاد العام. يقول المؤلف: « مضت الوقائع المصرية تصدر فى عهود محمد على وإبراهيم وعباس وسعيد وإسماعيل وهى فى حال الإملاق والرخاء صورة طيبة لصحيفة حكومية، زاخرة بالأخبار الرسمية مقلة من الأخبار العامة. وكان المقال فيها قطعة من أدب أغلبه كلمات محفوظة وأسجاع منمقة تتخله ألفاظ تركية غريبة وأفكار مقصورة واتجاه العصر الضيق الأفق بالقياس إلى ما أثر عن تقدم المصريين فى النصف الثانى من عهد الخديوى إسماعيل». ظلت «الوقائع» وحيدة فى ميدان الصحافة حتى عام 1833، ثم أصدر محمد على صحيفة أخرى خاصة بالجيش أسماها «الجريدة العسكرية»، ثم أصدر إبراهيم باشا «الجرنال الجمعي» سنة 1264 هجرية. وفى عام 1865 أنشأ إسماعيل صحيفة طبية هى «يعسوب الطب»، والتى كانت ميدانا للأطباء المصريين والأجانب، وهى أول صحيفة سمحت للنساء بالكتابة فيها، فقد كانت القابلة جليلة تمرهان توافيها بالمقالات الفنية. فى نفس السنة صدرت صحيفة للشئون العسكرية هى «الجريدة العسكرية المصرية». وفى سنة 1867 أنشأ عبد الله أبو السعود صحيفة أسبوعية هى «صحيفة وادى النيل». فى عام 1869 أصدر إبراهيم الميلحى وعثمان جلال مجلة «نزهة الأفكار»، ولم يصدر منها إلا عددن، وفى سنة 1870 صدرت مجلة «روضة المدارس»، وكانت للطلاب والمعلمين. وفى سنة 1874 صدرت جريدة «أركان حرب الجيش المصري»، وبعدها بعام، أنشأ محمد أنسى جريدة «روضة الأخبار». تلك هى الصحف والمجلات التى صدرت بمصر قبل «الأهرام».
ثم جاء سليم تقلا فعقد العزم على إنشاء جريدة الأهرام، فتقدم بطلبه للحصول على الترخيص إلى نظارة الخارجية لترفعه إلى الخديو للموافقة. كتب فى هذا الطلب: «الجريدة الملتمس إنشاؤها فى مدينة الإسكندرية تحتوى على التلغرافات والمواد التجارية والعلمية والزراعية والمحلية، وكذا من المقاصد طبع بعض الكتب كمقامات الحريري، وبعض ما يتعلق بالصرف والنحو واللغة والطب والرياضيات والأشياء التاريخية والحكم والنوادر والأشعار والقصص الأدبية وما شاكل ذلك من الأشياء الجايز طبعها بدون أن أتعرض للدخول مطلقا فى الأمور البولوتيقية، وإذا وقع منى مخالفة أو أجريت طبع شيء مما لا يجوز طبعه، فإنى قابل ما يترتب على حسب قوانين المطبوعات، كما أتعهد بأن كل ما يجرى طبعه أقدم نسختين لنظارة الخارجية الجليلة، وبما أن المطبعة المقتضى طبع الكتب المذكورة فيها كائنة بجهة المنشية بالإسكندرية، وأنها مطبعة حروف تحت اسم مطبعة الأهرام توقيع: سليم تقلا» فى 27 ديسمبر 1875، تمت الموافقة على إنشاء الأهرام. بعد تلك الموافقة ظل الأخوان بشارة وسليم تقلا لمدة سبعة أشهر يعدان العدة لإصدار صحيفتهما، حتى وفقا بعد جهد إلى إصدار ما سموه يومئذ «مثال جريدة الأهرام»، فى صفحة واحدة بتاريخ 15 يوليو 1876، وشغلها مقالا لسليم تقلا، واعتبر سليم، وفقا لما ذكره مؤلف الكتاب، «الصحافة لسانا للأمم وملاذا للجماعات». وخرجت «الأهرام» الأسبوعية بعد إصدار «مثال الأهرام» بثلاثة أسابيع.
نشر «مثال الأهرام» بيانات عن الأهرام ذكر فيه أن الجريدة ستصدر يوم السبت من كل أسبوع وأن حجمها سيكون ضعف هذا المثال وأن عنوانها «جريدة سياسية وعلمية وتجارية»، وأنه سينشر فيها الإعلان، وأنه أقام لها فى جميع الجهات وكلاء، وقد كان عدد هؤلاء اثنين وعشرين وكيلا عدا وكلاء القاهرة، يمثلون اثنين وعشرين بلدا فى مصر والشام والعراق وتركيا، وقد حدد المثال قيمة الاشتراك بالفرنك فجعله ثلاثة وعشرين فرنكا فى مصر والإسكندرية وسائر البلاد العثمانية. وجعله فى أوروبا والجزائر وتونس وزنجبار وكلكتا ثلاثين فرنكا.
صدر العدد الأول من الأهرام يوم السبت الموافق 5 أغسطس 1876. وكتب سليم تقلا المحرر الأول للأهرام بتلك المناسبة التاريخية: «هذا هو العدد الأول من السنة الأولى لجريدة الأهرام المرعية بعناية الحكومة السنية والمستعدة الاستعداد التام لأن تجعل من يتصفحها واثقا بما يطالعه لأنها تعانى البحث لتقف على الفوائد الصحيحة فتوفى بحقوق الجرائد، وتكسب قبول الجمهور، والاستقبال شاهد. فعلى أولى الغيرة والهمة مد يد المساعدة الأدبية المنتجة المادية وذلك بالإقدام على الاشتراك فنتشجع ولا نبالى بالصعوبات الابتدائية كيف كانت». يصف إبراهيم عبده ذلك الحدث الجلل: «كان استقبال الأهرام عظيما عند أهل العلم والمثقفين، وقد حمل العدد الأول تحية طيبة من الفاضل الأديب الأريب على أفندى مظهر الطالب فى الأزهر. ولعل من واجب التاريخ علينا أن نستبق مجرى الحوادث وقد أشرنا الى طالب فى الأزهر سبق الناس الى تهنئة الأهرام. فنذكر للأزهر وعلمائه وطلابه فضله فى معاونة الأهرام، وشد ازرها بالقلم واللسان والإقبال، وقد كانت الأهرام من الصحف ذات الصلة الوثيقة برجال الأزهر، أعلام الفكر فى ذلك العصر، تنشر آراءهم وتؤازرهم فى مطالبهم، وتشجع حركتهم الفكرية والتقدمية، وتفتح لهم صدرها لنشر كل مقال يطيب لهم نشره».
وكانت أجمل شهادة للأهرام شهادة الشيخ محمد عبده. وقد كان حينها طالبا فى الأزهر. استجاب لدعوة المحرر فى العدد الأول يطلب فيها من أصحاب الأقلام البليغة «أن يزينوا من وقت لآخر الجريدة بما يسطرونه من بديع الكتابة والحكم والفوائد التى يلتزم باقتنائها كل ذى ذوق سليم». استجاب الشيخ محمد عبده لتلك الدعوة، وأرسل خمسة مقالات نشرها الأهرام تباعا. لم تكن هذه المقالات سياسية، لأن الأهرام ذكرت فى بدايتها أنها ستكون بعيدة عن الأمور السياسية. فكتب الشيخ محمد عبده فى مقالته الأولي، والتى نشرت فى العدد الخامس من «الأهرام» والصادر بتاريخ 2 سبتمبر 1876: «الى حضرة الهمام الكامل محرر جريدة الأهرام، إنه نظر لدى كل قاص ودان واشتهر بين بنى الإنسان أن مملكة مصر كانت فى سالف الزمان مملكة من أشهر الممالك، وكعبة يؤمها كل سالك، إذ كانت قد اختصت بتربية العلوم، وبث المعارف المتعلقة بالخصوص والعموم، وانفردت بالبراعة فى الصنائع، والابتكار فى أنواع البدائع، فكان أبناء العالم إذ ذاك ينتدون نداها، ويستجدون جداها، يستمطرون من الغيث قطرا، ويستمدون من المحيط نهرا، فكان التمد فيها كهلا حين كان عند غيرها طفلا. استدار الزمان كهيئته، ورجع الأمر الى بدايته، وقفل التمدن الى مسقط رأسه ومقر تربيته فورد ديار مصر ورود الأهلي، وتمكن بها تمكن الأصلي، فاستقبلته الديار بغاية المسرة، وأكرمت مثواه وأعظمت أمره واستردت ما كانت فقدت وأدنت ما كانت أنأت وأحلته محل القرب وأنزلته سوداء اللب فقام يؤدى حق خدمتها ويوفى شكر كرامتها فنظر الى ما كان أبداه فى تلك الأزمان من شاهق البنيان فأنشأ لنا جريدة الأهرام المؤسسة على أحكم قواعد الأحكام الكافلة بإرشاد المسترشدين وتنبيه الغافلين بما فيها من المبانى الرقيقة والمعانى الدقيقة والأفكار العالية المؤيدة بالبراهين الشافية القائمة بنشر العلوم بين العموم فيالها من جريدة أسست قواعدها فى القلوب تنادى بمقالها وحالها: حى على الفلاح وهلموا الى موارد النجاح».
ونشرت المقالة الثانية للإمام فى العدد الثامن. كانت المقالة بعنوان «الكتابة والقلم». وكانت المقالة الثالثة بعنوان المدبر الإنسانى والمدبر العقلى والروحاني» تم نشرها فى العدد الحادى عشر من الأهرام بتاريخ 30 ديسمبر 1876. وكانت المقالة الرابعة بعنوان « العلوم الكلامية والدعوة للعلوم العصرية» ونشرت فى العدد السادس والثلاثين من الأهرام . نشرت المقالة الخامسة فى العدد الحادى والأربعين بعنوان «التحفة الأدبية»، وهو عبارة عن مراجعة لكتاب التحفة الأدبية فى تاريخ تمدن الممالك الأوربانية، تأليف الوزير والعالم كيزو، والذى ترجمه إلى العربية حنين نعمة الله خورى والمطبوع فى مطبعة الأهرام سنة 1877. وبذلك يكون الشيخ محمد عبده صاحب أول مراجعة لكتاب فى تاريخ الأهرام. وكانت مقالات محمد عبده قطعا أدبية رائعة جذبت القراء وزادت من الاشتراكات خلال وقت وجيز.
يصف المؤلف العدد الأول من الأهرام بقوله: «صدرت الأهرام أول ما صدرت صحيفة أسبوعية وكان موعد صدورها فى يوم السبت من كل أسبوع. كان العدد الأول صورة بديعة لعشرات الأعداد التى تلته من حيث وحدتها وانسجامها، واتفاق الغرض منها وتجاوب الروح فيها. تضمنت الصفحة الأولى افتتاحية. ثم نجد موضوعا عاما فيه كثير من التوجيه الخلقي، ثم عدة برقيات واردة إلى الإسكندرية، بجانب قليل من الحوادث المختلفة. ثم نرى فى الصفحة الثانية أخبارا فى مجملها تتصل بدول أوروبية. وحفظ مكان فى الصفحة الثانية والثالثة لرواية تاريخ أهرام الجيزة فى الأعداد الخمسة الأولي، وقدمت الجريدة لذلك بقولها: بما أننا اخترنا تسمية جريدتنا هذه باسم أعظم أثر موجود فى القطر المصرى وفى سواه أيضا وهو الأهرام رأينا من باب الإفادة أن ندرج فى كل عدد باستقراء تاريخ هذا الأثر. كانت الصفحة الثالثة مختصة بإذاعة الدعاوى المنظورة فى مجالس القضاء وأحكامه ولوائحه ثم بعض أخبار داخلية وإعلانات صغيرة. أما الصفحة الرابعة فمعظمها أخبار داخلية ونوادر وأخبار الوفيات، وتتضمن أيضا أسعار البورصة».
صدرت الأهرام بجهود شقيقين. أحدهما يحرر مقالاتها الداخلية ويعالج موضوعاتها العامة، وهو سليم تقلا. ويقوم بالترجمة، شقيقه بشارة تقلا. كان بشارة يتحمل عبئا آخر، يصفه: «إذا فرغت من الترجمة أتيت الإدارة ونظرت فى حسابها من دخل ومن خرج، واشتغلت بالتصحيح وكتابة بعض الحوادث ثم جلست أعاون الفعلة على طى الأعداد وتهيئتها للتوزيع، وكنت أتناول غذائى فى الغالب وأنا بين صحيفة أطويها ولقمة أزدردها، على أننى كنت أشارف من وراء هذا العناء الجم إقبالا ونجاحا».
يصف الكاتب الأهرام بأنها صحيفة للخبر فيها مكانه الأصيل، وأنها دأبت منذ صدورها بالالتزام بالدقة المطلقة فى روايتها للأخبار، وأنها قد استنت منذ سنتها الأولى سنة التحرج والتحرز فى نشر الأخبار، ولذلك نشرت فى الصفحة الأولى من عدد الأهرام الصادر فى 28 أكتوبر 1876:» المرجو من حضرات الوكلاء فى جهات سوريا أن يتكرموا بالاعلام عن الحوادث المهمة التى تجرى عندهم بعد مراعاة التحري، فإنه قد ورد إلينا رسائل عديدة من غيرهم لم ندرجها حذرا من الخلل، فالأمل أن لا يبخلوا علينا بذلك».
بحلول العام الثالث 1879، أدخلت الأهرام باب الأحاديث الصحفية، وهو الأمر الذى لم يكن معروفا فى مصر والشرق العربي. فبتاريخ 15 مايو نشرت الأهرام الحديث الذى أجراه بشارة تقلا مع الخديو إسماعيل، وقد كان أمرا جديدا فى تاريخ الصحافة المصرية أن ينال المحرر حديثا مع الخديو والذى أذن له بنشره. كتب بشارة تقلا عن ذلك اللقاء: «تنازل سموه للإعراب عن غايته التامة فى أنه يود أن تكون الحرية ناشرة لواءها وأن الجرائد تراعى حقوقها وواجباتها بنشر الأخبار الصادقة مع ملء الحرية وأن مجلس النواب سيراعى حرمة الصحف الإخبارية لتنقل عنه الى الأمة أعماله كما أن مجلس الشورى سيفتح لأرباب الجرائد بابا رحبا فيدخلونه ويلتقطون من فرائد فوائده دور المعارف والأخبار ويقدمونها للرعية وما شاكل ذلك».
أصبحت الأهرام صحيفة يومية ابتداء من يوم الاثنين 3 يناير 1881، وتغير شكل الشعار الخاص بها، فبعد أن كان منذ العدد 163 الصادر فى 19 سبتمبر 1879 مزخرفا يتوسطه أبو الهول بين هرمين يعلوها جميعا اسم «الأهرام»، ثم يخرج من خلف الإطار فى أعلى العلم متوسطا لفظى جريدة أسبوعية، أصبح الشعار عبارة عن اسمها كبيرا يتوسط المكان وحده فى أسفله لفظ «لى بيراميد». منذ ذلك اليوم أصبح بشارة تقلا مديرا لها مكان شقيقه سليم وبيعت النسخة الواحدة بقرش صاغ.
بدأت الأهرام اليومية أمرا جديد وهو نشر روايات معربة وهو الأمر الذى لم يكن معهودا فى الأهرام الأسبوعي. وكانت أول رواية مسلسلة نشرتها هى رواية «الكونت دى مونتجومري» لإسكندر ديماس. كانت الأهرام أيضا أول صحيفة تنشر ملاحق فى المناسبات المهمة، وكانت أيضا أول صحيفة تنشر صورا فوتوغرافية فى عددها الصادر فى 4 مايو 1881، وفيه نشرت صورة فردينال ديلسبس فى صفحتها الأولي.
يرصد المؤلف أمرا هاما عن الأهرام اليومي: «والذى ينبغى أن يسجل هنا لجريدة الأهرام أنها كانت فى مقدمة الصحف المعاصرة فى وزن الأخبار وإهمال التافه منها وإبراز الخطير الجليل على صفحاتها، بحيث يستطيع الإنسان أن يؤرخ لكثير من الأشياء التى تعاصرنا اليوم ويتحسس أصولها واضحة إذا عاد الى الأهرام فى سنواتها السبع الأولي». ويرصد المؤلف طرق وتاريخ الإعلانات فى الأهرام وأن أول إعلان صدر فى الأهرام كان بعددها الأول، والصادر فى 5 أغسطس 1876 وجاء فى ذيل الصفحة الثالثة منه، ونصه: « نخبر الجمهور أننا قد فتحنا مكتبا للترجمة من اللغات الفرنساوية والإيتاليانية والإنكليزية الى العربية وعن هذه الى الفرنساوية، ونترجم فيه الأوراق الشرعية وخلاصات الدواوين وحججا ورسالات تجارية وبنود جرائد وكتبا مطبوعة أو منسوخة وجميع ما يلزم. ثم إننا مستعدون أيضا لخدمة الأشخاص الذين لهم أو عليهم دعاو وليس عندهم وقت كاف لمعاطاتها بالأجرة الخفيفة وسنبلغ غاية الجهد فى إتمام واجباتنا لنرضى من يشرفنا بخدمة ويكون على ثقة منا. أما المكتب ففى وكالة الأديب أمام البورس الإسكندرية فى 26 تموز سنة 76. إبراهيم عرب حنين خوري».
يشرح المؤلف باستفاضة طرق الإعلانات التى تلت ذلك فى الأهرام وصورها وتطورها ومغزاها وأهميتها، وشخصها أنها كانت سجلا للنشاط الاجتماعى والاقتصادى والأدبي.
لم تكن دار الأهرام وقفا على جريدة الأهرام وحدها، بل تعدتها إلى صحف أخري. فيشرح المؤلف أن تاريخ مطبعة الأهرام فى سنواتها السبع الأولى كان تاريخا حافلا. استكملت مطابعها فى سنة 1878، واستطاعت بتلك المطابع أن تصدر عن دارها خمس صحف لها، وتطبع ثلاثا أخري، إضافة إلى عشرات الكتب وآلاف البطاقات التى قامت بطبعها ونشرها لحسابها الخاص. كانت أول صحيفة أصدرتها الأهرام هى «صدى الأهرام» فى العاشر من أكتوبر 1876. توقفت هذه الصحيفة عن الظهور فى 15 فبراير 1878 نتيجة مقال لها فى 2 فبراير 1878، ينتقد السياسة المالية للحكومة وهو الأمر الذى لم ترض عنه الحكومة. وصدرت الجريدة الثانية فى هيئة كتاب بواقع مرتين شهريا، وتحت اسم « المنارة»، وهى جريدة متخصصة فى الأمور التجارية والصناعية والزراعية والإخبارية والطبية والكيماوية. تبع إصدار «المنار»، إصدار مجلة ثالثة اسمها «حقيقة الأخبار» فى عام 1878. ويقول المؤلف عن ذلك:»أنشأ بشارة تقلا مجلة صغيرة سماها حقيقة الأخبار، كان يجمع فيها ترجمة وافية للبرقيات التى تتلقاها دار الأهرام عن الحرب الروسية التركية ولا تستطيع استيعابها صحيفتاه الأخريان».
الجريدة الرابعة الصادرة عن الأهرام هى جريدة عربية يومية تجارية وسياسية وعلمية تسمى «الوقت»، وفى وصفها، يقول المؤلف: «أهم ما تتميز به جريدة الوقت بين جرائد ذلك العصر ازدحامها الشديد بالإعلانات فى مختلف النواحى فى معظم صفحاتها، كما أنها زخرت بالأخبار الداخلية الموزعة فى كل صفحاتها، وكان لأخبار المحروسة المكان الأول بالنسبة الى أخبار المدن والأقاليم. كانت تنشر فى كل يوم سبت مراجعة أسبوعية مالية تجارية تستغرق فى الأكثر الصفحة الأولى منها».
يذكر المؤلف أن بشارة تقلا تقدم بتاريخ 7 أكتوبر 1879 إلى ناظر الخارجية مصطفى فهمى باشا، يرجو أن يمنحه ترخيصا بإصدار صحيفة تصدر أسبوعيا باللغتين العربية والفرنسية، وقد وافق ناظر الخارجية على ذلك فى اليوم التالى مباشرة على ذلك الطلب. ولكن يشك المؤلف أن تكون هذه الصحيفة قد صدرت وأنه لا يوجد دليل على ذلك. يتبع....
رابط دائم: