بعد أسابيع من الاتهامات بحدوث تزوير في الانتخابات، وبعد ايام طويلة من ترقب النتائج، حسم جو بايدن الرئاسة الامريكية لمصلحته، بعدما منحته ولاية بنسلفانيا مفاتيح الدخول إلى البيت الأبيض منهية صراعا وكسر عظم لم تشهده أمريكا من قبل. في المقابل، اسدل الستار على حكم دونالد ترامب الذي طالته الكثير من الانتقادات جراء ادارته السيئة لعدد من الازمات منها جائحة كوفيد-19، وأزمة المظاهرات ضد مقتل المواطن الأمريكي من اصل افريقي، بالإضافة الى السياسات الشعبوية والعنصرية التي نهجها طوال مكوثه في البيت الأبيض والتي جعلت أمريكا دولة شبه معزولة. ومع كل ما شاب الانتخابات الأخيرة من تصريحات واتهامات بالتزوير وعدم الاعتراف بالنتائج، يمكن القول انها فعلا انتخابات القرن، وانها تشكل حدثا سياسيا تاريخيا غير مسبوق في ظل حالة الانقسام الداخلي. وقد استطاعت ان تشد انتباه العالم اجمع وان تحبس أنفاسه لأكثر من 4 ايام قبل إعلان النتائج.
مع فوز بايدن بدأ العالم يتحسب لشكل سياسة أمريكا الخارجية في عهده، خاصة انه وعد، في إطار حملته الانتخابية، بان يكون مختلفا، وان يكون عكس بعض سياسات ترامب الأكثر إثارة للجدل بما في ذلك تغير المناخ والانسحاب من منظمة الصحة العالمية. وتعهد بأن يعمل بشكل اوثق مع حلفاء أمريكا، وأن يكون أكثر صرامة مع «المستبدين». لكن نجاح السياسة الخارجية لبايدن لن يقتصر فقط على كسب ثقة الحلفاء والضغط اكثر على الأعداء، بل الامر يتعلق بإعادة الثقة في أمريكا نفسها كحليف استراتيجي حقيقي، وهي الثقة التي اهتزت ليس فقط في عهد ترامب ولكن منذ عهد باراك أوباما. والامر يتعلق ايضا ببناء الثقة الدولية في وحدة هدف أمريكا، وهو امر يصعب تحقيقه في وقت يعاني فيه الداخل الأمريكي شروخا وانقسامات ستأخذ معالجتها وقتا طويلا.
الثابت في السياسة الخارجية الامريكية انها تسعى دائما للحفاظ على مصالح أمريكا أولا. لكن المتغير اليوم ان امريكا نفسها تغيرت في السنوات الأخيرة وتراجعت قوتها، اثر الانقسام الداخلي والجنوح للانعزال عن الخارج وتقلب سياساتها الخارجية مع الحلفاء. هذا الوضع شكل فرصة لقوى دولية أخرى للصعود والعودة الى ساحة المنافسة، ومنها على وجه التحديد الصين وروسيا. فرغم كل الضغوطات التي مارستها عليهما إدارة ترامب، الا انهما تعتبران اكبر مستفيد مما آلت إليه الأوضاع الأمريكية.
نقاط التوتر بين إدارة ترامب والصين كانت تدور في الأساس حول القيود المفروضة على إتاحة حصول بكين على التكنولوجيا الأمريكية وسياسات بكين بشأن القضايا المتعلقة بمنطقة شينجيانج الويجورية، وإقليم هونج كونج، وبحر الصين الجنوبي. وقد وصلت العلاقات الصينية-الأمريكية في عهد ترامب إلى أدنى مستوياتها منذ 40 عاما. ومع فوز بايدن، ربما لن تغير الإدارة الامريكية الجديدة من النهج المتشدد الذي اتبعه ترامب، وان كانت بكين تتوقع ان تشهد العلاقات بين البلدين بعض الانفراج وان تكون اقل اضطرابا وتقلبا.
بخصوص روسيا، فقد تدهورت علاقاتها بواشنطن في عهد ترامب، وربما ستمثل ادارة بايدن امتدادا لهذا التدهور وربما بشكل اكبر. فعلاقة بوتين وبايدن متوترة منذ 2011 عندما صرح هذا الأخير، آنذاك، بأنه لو كان مكان بوتين لما ترشح مجددا في الانتخابات، معتبرا أن ذلك سيىء له وللبلاد. وتخشى روسيا أن يزيد البيت الأبيض من الضغط والعقوبات المفروضة عليها، لكنها في المقابل تتوقع ان تكون إدارة بايدن أكثر قابلية للتنبؤ من فريق ترامب. وقد يسهل ذلك التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الملحة، مثل التوصل إلى معاهدة روسية أمريكية جديدة لخفض الأسلحة النووية.
فيما يتعلق بالعلاقات بايران، فالعقوبات وسياسة الضغط التي مارسها ترامب على طهران وانسحابه من الاتفاق النووي، بالإضافة الى مقتل الجنرال قاسم سليماني، كل ذلك عزز من قوة التيار المحافظ داخل إيران، ما قد يدفع ببايدن، الى تخفيف حملة الضغط على طهران، ويسهل على هذه الاخيرة مسألة الدخول في مفاوضات مع ادارته.
فيما يتعلق بعلاقة أمريكا بالشرق الأوسط، سيعمل بايدن على إعادة صياغة نفس السياسات التي اتبعها حين كان نائبا للرئيس في عهد باراك أوباما. فعلاقة أمريكا بدول الخليج ومصر ستبقى جيدة. وسيعمل بايدن على انهاء الدور العسكري الأمريكي في العراق، مع الحفاظ على تمثيلية صغيرة لقواته للمساعدة في محاربة الإرهاب. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يعتبر بايدن مؤيدا قويا لإسرائيل لكنه سيعود للفهم التقليدي لـحل الدولتين. وقد رحب باتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، ومن المرجح أن يستمر في هذا التوجه نحو التطبيع الإقليمي. ربما يكون قرار الضم غير مطروح الآن بشكل نهائي، لكن فرص إحراز تقدم كبير في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية تبقى ضئيلة.
لمزيد من مقالات وفاء صندى رابط دائم: