رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الانتخابات الأمريكية والثقة فى استطلاعات الرأى

د. عادل عبد الصادق

على الرغم مما حققه ترامب من مكاسب اقتصادية خلال فترة ولايته المنقضية، فإنه واجه تحدى كسب الثقة للفوز بالولاية الثانية، وعزز هذا التوجه نتائج أكثر من عشرة استطلاعات للرأي، بحصول «بايدن» على نحو 51.3% مقابل 43.5% لترامب، أو بفارق نحو سبع أو ثمانى نقاط، ومع هامش خطأ 3 نقاط زيادة أو نقصانا، وهو ما أثار التساؤلات قبيل الانتخابات حول مدى الثقة فى تلك النتائج ومدى إمكانية تكرار ما حدث فى عام 2016؟

وترصد استطلاعات الرأى العام اتجاهات التصويت وإمكانية تحويلها إلى مؤشرات كمية تساعد فى صنع السياسات وفهم طبيعة القوى المؤثرة فيها، بجانب مهمة الرصد والتنبؤ والإنذار المبكر للمرشحين ومؤيديهم فى الانتخابات. وتعد الاستطلاعات جزء من التاريخ السياسى الأمريكى منذ عام 1824 حين تم إجراء أول استطلاع للرأى بواسطة جريدة محلية بولاية بنسلفانيا.

ومع أهمية الدور الذى قامت به استطلاعات الرأى العام خلال تلك الفترة الطويلة، إلا أنها فشلت فى ثلاث حالات، هى توقع فوز «ترومان» عام 1948، وهزيمة «آل جور» عام 2000، وهزيمة «هيلاري» عام 2016.

وكشفت الأخيرة عن تعرض منهجية الاستطلاعات لأخطاء، كإهمالها متغيرات مهمة مثل الانتماء العرقى والخلفيات الاجتماعية والتعليمية للمصوتين من غير الحاصلين على مؤهل جامعي، وحالة تصويت الجمهوريين بشكل أكبر من تصويت البيض الذين لديهم مؤهل جامعي، إلى جانب عدم التمييز بين الاستطلاعات على المستوى الوطنى والأخرى التى تُجرى على مستوى الولايات. كما لم تميز بين أصوات المجمع الانتخابى والتصويت الشعبى داخل الولايات.

هذه الخبرة دفعت إلى إجراء تغييرات على منهجية الاستطلاعات التى تم إجراؤها، وتم تطوير نموذج خاص يجمع بين استطلاعات الناخبين بعموم الولايات المتحدة، مع إدخال متغيرات اقتصادية، وأخذ المجمع الانتخابى فى الاعتبار، والتأكد من دقة تمثيل العينة، وهو ما عمل على تقليل هامش الخطأ وتحقيق درجة عالية من الدقة فى التنبؤ بنتائج الانتخابات، وارتباط ذلك بالقدرة على معرفة التركيبة السكانية مثل التعليم والعرق والعمر والجنس وتسجيل الحزب، وغيرها.

وتنوعت استطلاعات الرأى العام التى أُجريت، بين استطلاعات تابعة للحزبين المتنافسين أو مؤسسات مستقلة. وجرت هذه الاستطلاعات فى ظل بيئة غير مسبوقة شكلتها جائحة «كوفيد 19»، التى أدت إلى وفاة ما يقرب من ربع مليون مواطن أمريكي، ونحو 9.5 مليون إصابة، بما أثر ليس فقط على توجهات الناخبين ولكن على أدوات التصويت أيضا. جاء ذلك فى ظل تأثر الحملات الانتخابية للمرشحين بفرض إجراءات الابتعاد الاجتماعي، وتصاعد دور الدعاية عبر شبكات التواصل الاجتماعى مع عدم التزامها بـ «الصمت الانتخابي»، والجهود التى اتخذتها الشركات فى ضبط الإعلانات السياسية تفاديا لما حدث عام 2016. وبلغ تمويل حملة بايدن فى الأول من أكتوبر الماضى نحو 177 مليون دولار مقابل 63.1 مليون دولار لترامب، وهوما يكشف عن قوة حملة بايدن فى ظل ثقة ترامب بالفوز وقناعته بأنه إذا حدث غير ذلك سيكون «تزويرا».

وتفوق «ترامب» فى معدل الثقة فى التعامل مع الاقتصاد بـ 53% وفق الاستطلاعات فى حين تفوق بايدن فى القضايا الأخري، خاصة الانقسام العرقى بثقة بلغت 58% من الناخبين، و56% فى التعامل مع «كوفيد 19». ووفقا لاستطلاع رأى أجرته شبكة ABC وافق 35% فقط على طريقة إدارة ترامب للجائحة، فى حين رأى 72% أن إدارته لم تأخذ الأمر على محمل الجد بما فيه الكفاية.

وفى ظل التفاعل بين الواقع الصحى وحالة الاستقطاب الشديد بين المرشحين، حدثت زيادة غير مسبوقة فى التصويت المبكر، بلغت ما يزيد على 100 مليون ناخب، وهو رقم قياسى مقارنة بـ 47 مليونا فى 2016 عبر البريد، وهو ما شكك ترامب فيه، بينما رحب به بايدن وكان له القول الفصل فى المعركة.

ورغم حصول ترامب على 43.5% فى المتوسط وفقا لمعظم الاستطلاعات، فإنه اقترب للغاية من مستوى شعبيته التى ظلت ثابتة خلال فترته الأولى بين 41% و 43%، حتى قبل وقت قصير من الانتخابات، بل إنه قد فاز بالسباق الرئاسى ذاته بنسبة 46,1% فى 2016. وبلغت نسبة المشاركين غير المحددين لتوجهاتهم الانتخابية وفق تلك الاستطلاعات 5٫6% أو الذين قد يصوتون لحزب ثالث، وهى نسبة أقل من نظيرتها عام 2016 التى وصلت إلى 15٫5%. ولكن أهميتها تكمن فى تعرضهم للاستقطاب ودفعهم للمشاركة، إلى جانب دور عامل المشاركة السياسية، خاصة بين الناخبين المترددين والذين يشكلون نحو 20% من الأصوات، ودور الأمريكيين الأفارقة بعد حادثة جورج فلويد. ووفر ذلك فرصة ذهبية للحزب الديمقراطى فى اقتناص النقاط من الحزب الجمهورى إلى جانب أبعاد أخري، خاصة مع تميز تلك الانتخابات بغلبة قضايا الاقتصاد والأمن على توجهات الناخبين، على الرغم مما حققه ترامب من توفير للوظائف وتحسين الاقتصاد وإعادة رسم العلاقة مع الصين.

كشفت النتائج الفعلية للانتخابات عن فوز بايدن بنسبة 50٫6% من الأصوات، 290 مقعدا داخل المجمع الانتخابي، بينما حصل ترامب على 47,7% من الأصوات، و214 داخل المجمع الانتخابي، وهى نسب تقترب من المتوسطات العامة للاستطلاعات التى أجريت قبل الانتخابات. وفيما يتعلق بنتائج الولايات فإن استطلاعات الرأى تبدو صحيحة بشكل عام فى الجنوب والجنوب الغربي. بينما قام ترامب بأداء أفضل مما توقعت استطلاعات الرأى فى الغرب الأوسط.

على سبيل المثال، اقتربت نتائج الاستطلاع من توقع فوز بايدن بفارق ضئيل فى أريزونا وخسارته بفارق ضئيل فى ولاية كارولينا الشمالية، وتعادل المرشحين فى جورجيا، بينما أشارت إلى تفوق بايدن على ترامب فى ولاية فلوريدا بفارق 2.1%، فى حين نجح ترامب بها بفارق 3٫6%، وتوقعت تقدم بايدن فى ولاية ميتشجان بفارق 7.8% لكنه نجح بفارق 3٫6%. وتوقعت الاستطلاعات فوزه كذلك بـ 4.9% فى ولاية بنسلفانيا، بينما فاز بها بفارق ٫5% فقط، وتوقعت فوزه بفارق 4.6% فى ولاية ويسكونسن، بينما فاز فيها بفارق 1٫4% فقط.

وهكذا، رصدت الاستطلاعات الاتجاهات وأثبتت نجاحها فى تحسين منهجيتها السابقة، خاصة أنها تواجه بمحددات عامة، أهمها نسبة الناخبين المحتملين، ودرجة تأثير تكرار استطلاعات الرأى على وزنها، ووقت وزمن الاستطلاع مقارنة بزمن الانتخاب، ناهيك عن وجود مؤثرات أخرى على التوجه مثل الأسرة، وتباين مستويات دقة النتائج حسب طريقة الاستبيان (المقابلة الشخصية، الهاتف الثابت، الهاتف المحمول، الإيميل، الانترنت). وتواجه استطلاعات الرأى بشكل عام «معضلة الثقة» نتيجة تصاعد حالة اللايقين مع سرعة التغييرات التى تشهدها توجهات الرأى العام، وحالة التدفق المتسارع للمعلومات التى يتلقاها الناخبون، ليس فقط عبر وسائل الإعلام التقليدية بل كذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

وعلى قدر ما نجحت الاستطلاعات فى الإجابة عن سؤال: لمن ستصوت؟ ومن سيفوز؟ فإنها تعرضت لتأثيرات البيئة المحيطة بالعملية الانتخابية، وأعطت لمحة سريعة عما كان «يفترض» صحيحًا عندما أجريت وليس ضمانًا بالضرورة لما سيحدث فى المستقبل أو توجيه الرأى بدلا من رصده. وكشفت كذلك عن حالة الانقسام العميق التى انعكست على المؤسسات السياسية والتشريعية، وهو ما قد يثير ضرورة إعادة النظر فى النظام الانتخابى والعمل على إعادة روح أمريكا ووحدتها على يد بايدن.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق