فى 2019 فاز ثلاثة علماء بجائزة نوبل فى الفيزياء لمساهماتهم فى فهم بداية الكون وفى مكانة الأرض فى الكون. حسنا فعلت الأكاديمية السويدية للعلوم فى منحها جائزة نوبل فى الفيزياء لعام 2020 لثلاثة علماء لمساهماتهم أيضا فى اكتشاف الثقوب السوداء وهو الأمر الذى يعمق فهم البشرية للمتناهى فى الكبر. قبل ذلك منحت الجائزة أكثر من أربعين مرة منذ بدايتها لفهم المتناهى فى الصغر من دراسات الذرة وجسيماتها.
لمزيد من فهمنا لتلك المساهمات لفهم الكون وفهم مكانة الأرض فيه, لم أجد فى البداية للتوضيح أفضل مما كتبه عالمنا العظيم على مصطفى مشرفة بعنوان: سياحة فى فضاء العالمين, فى كتابه مطالعات علمية, مطبعة الاعتماد, 1943.
ولما كانت سياحتنا ستقتضى قطع مسافات شاسعة فقد أعددت للقارىء حيلة عجيبة الشأن تمكننا من وجوب كل ما بعد من الأرض واتسع من فضاء الكون, ذلك أننا سنمتطى شعاعا من النور نوجهه حيث شئنا فيحملنا فى طريقنا بسرعة الضوء. فى الجزء الأول من سياحتنا سنصرف سحابة يوم فى تفقد مجموعتنا الشمسية فرحلتنا من هنا الى الشمس تستغرق نحو ثمانى دقائق ومن الشمس نستطيع أن نرى المجموعة الشمسية بأسرها مرتبة حسب أبعادها عن الشمس وسنرى كل واحد منها يدور حول الشمس ومعه أقماره أو توابعه, كما سنرى الكواكب الصغرى وسنرى المذنبات وكل منها يدور فى فلك. ونحن نستطيع أن نمتطى شعاعنا ونزور كل كوكب على حدة حتى نصل الى نبتون. أما إذا قمنا من الشمس الى نبتون رأسا فإننا نصله فى نحو الأربع ساعات وربع الساعة. ولا بد لنا من مفارقة المجموعة الشمسية لكى نكون فكرة عامة عن العالم الذى إن هى إلا قطرة فيه. فلنذهب إذن من المجموعة الشمسية الى أقرب نجم إليها. سنصل الى هذا النجم فى أربع سنين ومن هذا النجم تظهر لنا المجموعة الشمسية بأسرها كنقطة صغيرة فى الفضاء وسنستمر نزور النجوم المختلفة فنقطع ما بين النجم والذى يليه فى بضع سنين حتى نصل الى حدود العالم الأدنى الذى شمسنا أحد نجومه فإذا خرجنا عن هذا العالم وسرنا بضعة آلاف من السنين ثم نظرنا وراءنا وجدنا هذا العالم مكونا من جمع غفير من النجوم ووجدنا الشمس واحدا من هذه النجوم. هذا العالم هو الذى يسمى العالم المجرى. إذا أردنا أن نعبرمجرتنا طريق التبانة من أقصاها الى أقصاها استغرق هذا العبور منا أكثر من مائة ألف سنة. ولنرحل عن مجرتنا فننتقل الى أحد السدم اللامجرية فنصل إليه فى بضعة ملايين من السنين ثم للنظر من هذا السديم الى مجرتنا فنجد مظهرها كسحابة صغيرة فى سمائنا يشبه ما تظهر عليه السدم إذا ما نظرنا إليها من الأرض. فالأرض التى نعيش عليها يمكن اعتبارها نقطة تافهة فى المجموعة الشمسية التى يبلغ أكبر قطر فيها بضع ساعات ضوئية ثم إن المجموعة الشمسية بأسرها يمكن اعتبارها نقطة تافهة فى العالم المجرى الذى قد يبلغ أكبر قطر فيه حوالى نصف مليون سنة ضوئية ثم إن العالم المجرى بأسره إن هو إلا إحدى مئات الألوف من العوامل المتفرقة فى الفضاء الذى لا نعلم له الى الآن حدا ولا نهاية.
زاد فهمنا للكون كثيرا منذ كتابة الدكتور مشرفة نتيجة اكتشاف التليسكوبات العملاقة وإستخدامات السوبر كمبيوتر والنظريات الجديدة فى الفيزياء والرياضيات. نحن الآن ندرك أن عدد المجرات قد يزيد على عدد الرمال فى الأرض, وكل ذلك فى الجزء المرئى من الكون فى السماء الدنيا. وأنه يوجد مئات البلايين من الثقوب السوداء فى كل مجرة وبلايين الأشياء التى لم يكتشفها العلم بعد.
فى السادس من أكتوبر 2020, أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم عن فوز روجر بنروز الأستاذ بمعهد الرياضيات بجامعة أوكسفورد بجائزة نوبل فى الفيزياء لعام 2020, مناصفة مع كل من رينهارد جينزل الأستاذ بجامعة كاليفورنيا- بيركلى وأندريا جيز الأستاذة بجامعة كاليفورنيا- لوس أنجلوس.
فاز بنروز بالجائزة لكونه الرائد فى سبر أغوار النظرية النسبية العامة لأينشتين ولاختراعه طرقا رياضية عبقرية أدت الى إثبات أن تلك النظرية تثبت تكوين الثقوب السوداء. قبلها عام 1905 نشر أينشتين النظرية النسبية الخاصة. قدم فيها مفهوم المكان والزمان وأنهما متداخلان فى استمرارية واحدة تسمى الكون الزمانى-المكانى..
فى نوفمبر1915 نشر أينشتين النظرية العامة للنسبية وفيها أثبت أن الأجسام ذات الكتلة الكبيرة تسبب تشوها للكون الزمانى المكانى, ومن هنا فإن النظرية النسبية العامة تجعل ذلك الكون الزمانى المكانى منحنيا أو مكورا بمثل ما يتكور سطح الكرة الأرضية فى الفضاء. تحدث كثيرون الى أن هذا يؤدى الى ضرورة وجود وتكوين الثقوب السوداء, غير أنه لم يستطع أحد منذ اكتشاف أينشتين إثبات وجود الثقوب السوداء ذات الكثافة المتناهية غيرروجر بنروز.
هذه الثقوب السوداء تكنس الكون وكأنها وحوش ضارية لا يستطيع الهروب منها أى شىء حتى الضوء ذاته. أما الباحثان الآخران اللذان فازا بنصف الجائزة فقد فازا لإثباتهما لأول مرة وجود ثقب أسود عملاق فى مركز مجرتنا طريق التبانة. هذا الإثبات ساعد فى مزيد من الفهم للثقوب السوداء آخرها دراسة ساهم فيها 31 عالما من دول عدة وتم نشر مسودتها بتاريخ15 سبتمبر 2020 فى المجلة العلمية للجمعية الملكية للفلك ببرطانيا فيها تم رصد ثقب أسود يلتهم نجما على مسافة قدرها 215 مليون سنة ضوئية, وتم رصد عملية كيف يهوى ذلك النجم ويتمزق بواسطة ذلك الثقب الأسود الى مايشبه عيدان ألإسباجيتى. كان رؤية ذلك الحدث أمرا مستحيلا قبل ما قام به الفائزان بجائزة نوبل 2020. ذلك لأن عملية التهام النجم بواسطة الثقب الأسود كانت تنتج غبارا كثيفا يجعل عملية التصوير والمشاهدة أمرين مستحيلين. (لخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ),« 57غافر».
لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة رابط دائم: