رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أوروبا فى مواجهة موجة كورونا الثانية

تجتاح العالم حاليا موجة ثانية من وباء كورونا المستجد، حيث بلغ إجمالى الإصابات العالمية، الى حدود كتابة هذا المقال، نحو 46.403.652 مليون، فيما تجاوز عدد الوفيات الناتجة عن الفيروس أزيد من مليون و198 ألفا. وفى أوروبا وحدها، بما فى ذلك روسيا وبعض بلدان آسيا الوسطى مثل طاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان، ارتفع عدد الإصابات إلى أكثر من 8 ملايين حالة إجمالا، خلال الأسبوع الماضي، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، بينما بلغ عدد الوفيات أزيد من 250 ألفا. ومع ذلك فقد تم تسجيل انخفاض فى منحى الوفيات بالمقارنة مع الموجة الأولى فى مارس الماضي، لكون المصابين من الأشخاص الأصغر سنا، ولكون المستشفيات طورت من قدرتها الاستيعابية وأجرت تدريبا للأطقم الصحية وحسنت من طرق علاجها.

ورغم هذه التحسينات، فقد ادى الارتفاع المفاجئ فى عدد الإصابات اليومية، فى أوروبا عامة، الى استنزاف المنظومة الصحية، بحيث لم تعد أنظمة الاختبار تستطيع مواكبة المستويات الواسعة الانتشار من انتقال العدوى. وقد تجاوزت نسبة الإصابات، فى معظم الدول الأوروبية، 5%. واذا كان الرهان خلال الموجة الأولى للوباء هو توفير وحدات العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعى ومعدات الحماية الشخصية، فإن الرهان المطروح خلال الموجة الثانية، ليس فقط فى أوروبا ولكن فى العالم ككل، هو تقليص إنهاك الاطقم الصحية التى بدأت فعلا تفقد قدرتها على مواكبة انتشار المرض.

هذا ما دفع عددا من الحكومات الاوروبية لفرض إجراءات قاسية للحد من تسارع الوباء. ففى فرنسا، ومع تسجيل نحو 40 ألف إصابة فى يوم واحد، قررت الحكومة فرض حجر صحى شامل لمدة شهر على الأقل. ونفس القرار اتخذته بريطانيا التى أعلن رئيس وزرائها، نهاية الأسبوع الماضي، دخولها فى اغلاق عام اعتبارا من اليوم الخميس. اما إيطاليا فقد فرضت إجراءات أكثر صرامة لمكافحة تفشى الفيروس لمنع فرض الإغلاق العام. نفس الشيء بالنسبة لألمانيا التى اختارت فرض قيود اضافية، حيث سيتم إغلاق المطاعم ودور السينما والمسارح طوال الشهر الحالي. وخلال هذه الفترة يتم السماح بلقاءات خاصة بين الأشخاص فى إطار أعداد قليلة فحسب. وفى بلجيكا، تم إغلاق جميع الحانات والمقاهى والمطاعم، وتم وفرض حظر تجول ليلي، مع فرض العمل من المنزل اذا كان نوع العمل يسمح بذلك. وفى إسبانيا تم فرض حظر تجول ليلي.

لحدود الآن، تتراوح توجهات الدول فى مواجهة الموجة الثانية من جائحة كوفيد-19 بين الإغلاق التام والتقيد ببعض الإجراءات المرنة. واذا كانت إدارة هذه الموجة الأخيرة أكثر تعقيدا وصعوبة، حيث يجب تتبع بؤر الوباء وفرض قيود تتناسب مع الوضعية الوبائية، فإن نتائجها تبقى محدودة، خاصة فى ظل عدم احترام التدابير الاحترازية من ارتداء للكمامات و التباعد الجسدي. اما تدابير الإغلاق التام فهى تعطى الدول الفرصة لتعزيز أنظمتها الصحية وبرامج تتبع الاتصال لتحديد البؤر الجديدة والقضاء عليها بسرعة. لكن تكلفة الإغلاق الاقتصادية تبقى كبيرة جدا، وتفرض مجموعة من التحديات، منها، قدرة الدول على مواصلة دعم القطاعات التى تعانى جراء تداعيات تفشى فيروس كورونا. وقدرة بعض الشركات على الاستمرار بعد الجائحة وتخطى الازمة، على الرغم مما تحصل عليه من مساعدات حكومية.

وسواء كانت السياسات الاحترازية مرنة او قاسية، متمثلة فى الإغلاق الشامل، فكلاهما يؤثر بشكل مباشر وقوى على حركة الأنشطة الاقتصادية وحركة الناس وبالتالى السلوك الاستهلاكي، الذى تميز أخيرا بضعف مستويات الطلب الكلي. ومع طول اشهر الجائحة فإن مؤشرات اقتصادية مثل الناتج المحلى ستكون سلبية وتتراجع أرقامها الاعتيادية ويتوقف تقدمها. كما أن النمو الاقتصادى سيتأثر بشكل واضح، ما يعطى مؤشرات بالانكماش الاقتصادي، والتأثير السلبى على الاستثمار وحركة أسواق المال. تداعيات الجائحة لن تقف عند هذا الحد، بل ستتعداه، وفق خبراء اقتصاديين، الى مستويات الدين الحكومي، فالحكومات الأوروبية، وحكومات العالم ككل، تواجه تحديات هائلة بشأن تمويل مصروفاتها مع استمرار تفشى الوباء بصورة أكبر مما كان عليه فى موجته الأولى.

الوضع الوبائى فى العالم يضع صانعى السياسات والمواطنين امام امتحان صعب. فبين محاولة إيجاد معادلة بين الحفاظ على الصحة العامة وإنقاذ الاقتصاد، تبقى هناك بعض الإجراءات التى يتوجب على الحكومات اتخاذها. أولا، تعزيز قدرات الاطقم الصحية وذلك من خلال فرض قيود تحد من حركة الناس ومن نسب العدوى. ثانيا، تحديد القطاعات التى يجب فرض قيود صارمة عليها لمنع تفشى الوباء. ثالثا، إبقاء الدعم الحكومى للفئات الأكثر تضررا. رابعا، ضمان العودة السريعة للنمو وإنتاجية القطاع العام والخاص عند انحسار الوباء. اما المواطنون فهم مسئولون عن حماية أنفسهم وشركائهم فى المجتمع من خلال ثلاثة إجراءات بسيطة جدا: تنظيف الأيدى وارتداء الكمامات والحفاظ على التباعد الجسدى.


لمزيد من مقالات وفاء صندى

رابط دائم: