رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

وجع فى قلب المجتمع!

بتنا نجيد البكاء على اللبن المسكوب، والأغرب هو التلذذ بسكبه ومن ثم البكاء، القلب هو أحد أهم أعضاء الإنسان، وهو لا يتوقف إلا فى حالة الوفاة، وقد يكون مصابا بدرجة ما ولا يعلم الإنسان، حتى يحدث أمر جلل, فتبدأ رحلة العلاج، وقد يكون حذرا، فيبادر بالكشف عليه، حتى يتجنب الإصابة. إلا أن مجتمعنا الذى استقر وضعه و تشكلت بنيته عبر قرون مديدة، حتى بات له شكل كالجسد الممشوق، الذى نباهى به الأمم المختلفة، توافرت له سمات زاهية، أضحى قلب ذلك الجسد موجوعا، لاسيما أن الأبناء بما يملكون من أهمية بالغة لنا جميعا، يمثلون قلب المجتمع.

فى تاريخنا القريب، كانت سمات الشخصية المصرية راقية، حتى إننا نتندر على ذلك الزمن بإطلاق مسمى «الزمن الجميل» وكانت كلمة العيب واضحة للغاية، يخشى الجميع صغيرا أو كبيرا الوقوع فى محرماتها، لأنها كانت بمثابة كبيرة من الكبائر، ومع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التى مرت بنا، حدثت تغيرات جذرية، تغيرت معها سماتنا الشخصية. واختلفت الأولويات من حيث ترتيبها، وبدأت شكوانا تعلو ثم تعلو، ونحن نتحدث عما يمر بنا من تغيرات غير مفهومة، ثم نلقى بتبعات اللوم على الظروف، وكأن تلك الظروف أقوى منا جميعا.

وظهرت مسميات ما كانت أن تظهر، مثل التحرش، فعلى مدى سنوات كثيرة، بتنا نشاهد تنامى تلك الظاهرة، بشكل مزعج، وتحول التحرش من لفظى لجسدي، وكانت الملامة تقع غالبا على الطرف الأضعف، وهى الأنثي، لأسباب مختلفة منها ملابسها غير المحتشمة .. إلخ، إلا أنه بالرجوع بضعة عقود للخلف، كنا نرى غالبية السيدات المصريات غير محجبات، وكانت فئة منهن تغطى الرأس باعتباره احتشاما، أيا كانت الديانة، وكان الأمر مماثلا للرجل، وكنا نرى تلك الظاهرة فى الريف. كانت هناك عادات و تقاليد من العيب تلافيها أو تجاهلها، مثل احترام الصغير للكبير وما شابه، ولم يكن للتحرش بكل أشكاله وجود، قلبا أو قالبا، فى مختلف الأماكن راقية أو شعبية.

وانتقلنا من التحرش للتنمر، وأضحى ظاهرة مقيتة، يفعلها القوى تجاه الضعيف، وباتت أكثر وضوحا فى الأعمار الصغيرة، والوقائع التى تحكى تلك الظاهرة كثيرة، لا داع لسردها أو التذكير بها. ولكننا اليوم أمام كارثة حقيقية، ولا أبالغ فى إطلاق لفظ كارثة عليها، فصغارنا فلذات أكبادنا، ساكنو قلوبنا، طرأ عليهم تغيرات عجيبة، كانوا فى الماضى الأقرب، يتخذون نماذج مجتمعية راقية كقدوة لهم، فيخرج علينا مطرب كبير، بشكل جديد فيسارع الشباب بتقليده، وهكذا. اختلفت تلك الأمور اليوم، وباتت القدوة والنموذج الأمثل فى طور مختلف ومزعج، لاسيما بعد أن طغت على سطح المجتمع نماذج غريبة، فبتنا نشاهد قنوات لليوتيوب، تخرج علينا منها شخصيات أكثر غرابة لتقدم محتوى مهلهلا، لا يسمن ولا يغنى من جوع، وطغت على مجتمعنا ألفاظ و قيم مؤلمة، نجمع على غرابتها ورغم ذلك لا نتوقف عند تلك الظاهرة.

حتى الأغانى التى يريدها شبابنا اليوم، انحدر مستواها لدرجة غير مسبوقة، واختفى فى المقابل المستوى الراقى من الكلمات، الغريب هو طريقة تعاملنا مع تلك الظاهرة، التى يتسم بسلبية عجيبة. كنا فى الماضى نتباهى بما أنجزناه فى القراءة، وكان الذهاب للمكتبة و الاطلاع سمة المتميزين، اليوم بعد التطور الكبير فى وسائل الاتصال، ورغم توافر الكتب بشكل رائع على مواقع مختلفة وأصبح الاطلاع أكثر يسرا، انصرف الشباب عن القراءة، وتغيرت مفاهيمه، بشكل أراه مزعجا للغاية، وأمست هناك ضرورات ملحة فى مراجعة أبنائنا.

لابد من التدخل الحاسم والسريع على جميع المستويات، لدراسة الوضع الفكرى السيئ الذى وصل إليه حفنة غير قليلة من شبابنا، ولنعلم أنهم عماد أمتنا، فبهم تنهض، وبعدم متابعتهم والاهتمام بهم، تسقط! بوضوح تام أقول إن هناك وجعا يعترى قلب مجتمعنا، السكوت عليه وإهمال متابعته، سيكون له أثر سلبي، غير محتمل، ليس فقط فيما يتعلق بالتحرش و التنمر، بل فاق الأمر التوقعات، وأضحت التصرفات الغريبة لافتة، ومع ازديادها، باتت أملا لمن لا يمارسها، فهل العيب فى الأسرة التى هى نواة المجتمع، التى تعتبر أن سلوكيات أبنائها المتعلقة بفعل أشياء غريبة، هى من باب التمرس حتى اشتداد العود؟ أم أن أدوات القوة الناعمة التى نمتلكها قد فقدت بريقها، فما عادت ملهمة لهذا الجيل؟

حتى المدرسة التى كانت قبلتنا ونحن صغار، أفل رونقها، وبات حديث الانصراف عنها يطرب الآذان، وطغت على السطح قيمة بالية، وهى الكيفية التى تمكن من الحصول على الدرجة، أيا كانت، دون النظر إلى الآلية المنضبطة لتحقيقها!

الظواهر السلبية التى تؤكد ما سبق كثيرة وموجودة و للأسف فى ازدياد، والحديث عنها بات مكررا، وغير مفيد، لذلك علينا أن نعيد القيم الراقية التى تربينا عليها، بكل الوسائل المتاحة، ولنتكاتف جميعا، على مستوى الأسرة و المسئولين، لتقييم الوضع، وتصويبه، قبل أن يزداد صعوبة، وأول طرق الحل، هو البحث عن الأسباب التى أدت بنا إلى هذا السوء، لتلافيها، هذا إن أردنا لقلب المجتمع أن يظل نابضا عفيا.

[email protected]
لمزيد من مقالات عماد رحيم

رابط دائم: