دون أدنى شك كانت شهادة الأمير السعودى بندر بن سلطان الدبلوماسى المخضرم وصاحب أطول فترة فى منصب السفير السعودى لدى الولايات المتحدة الأمريكية والتى أذيعت أخيرا على فضائية العربية عبر ثلاث حلقات كانت صاخبة صريحة ومؤلمة احتوت على الكثير من الحقائق والوقائع، خاصة انها ركزت فى المقام الأول على جهد بلاده ودول الخليج وكذلك الجهد المصرى فى مساعدة الشعب والقيادة الفلسطينية واستغلال كل الامكانات ومروحة الضغوط من أجل تحقيق الهدف الاسمى والانتصار لبلوغ الجائزة الكبرى للفلسطينيين ألا وهى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ولكن من خيبات هذا الزمن وبدلا من استغلال تراكم ومحفزات هذا الجهد العربى كانت القيادة الفلسطينية تقف دوما فى المربع الخطأ وترهن قراراتها ومواقفها بحسابات المكسب والخسارة الشخصية كما أبلغ الرئيس عرفات نفسه أكثر من مرة الأمير بندر بن سلطان من الخشية من تأثير رد فعل الرئيس السورى السابق حافظ الأسد وإمكانية قتله شخصيا أو قدرته الفظة على إحداث الانقسام والانشقاق داخل الفلسطينيين. وبات لايخفى على الغالبية من شعوبنا العربية ان تلك القيادة، سواء الرئيس عرفات وكل رفاق الدرب طيلة الخمسين عاما الماضية وحتى الذين تسلموا الراية من بعده ومازالوا قد أضاعوا فرصا ذهبية وبات ينطبق عليهم القول الأصح بأنهم أصحاب الفرص الضائعة بالفعل وحتى لايقال إننى ارتكزت أو تأثرت بثلاثية السرد من قبل الأمير بندر بن سلطان أريد ان أنعش ذاكرة القارئ المصرى والعربى أننى ظللت لأكثر من ثلاثين عاما أتولى متابعة الشأن الفلسطينى فى عملى الصحفى فى الأهرام، واشارك فى تغطية كل اللقاءات والاجتماعات الفلسطينية، سواء مع الدول العربية خاصة ما يعرف بالشركاء الأساسيين اى دول الطوق فى القاهرة وعديد العواصم العربية أو جولات المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية هنا فى القاهرة وطابا وشرم الشيخ وغيرها من العواصم الاخرى وكانت ومازالت تربطنى صداقات عمل بكل القيادات فى فتح ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وبالتالى أرى ان ماذهب إليه الأمير بندر بن سلطان يحتوى على الصحة والصدقية فى الطرح والعتب على القيادات الفلسطينية خاصة ان الرجل تحدث بوقائع وتواريخ عن فرص قلما يجود الزمان بمثلها مرة أخري. وربما لو كان الفلسطينيون استغلوا فرصة واحدة من كل هذه الفرص لتبدل الحال كما قال الرجل وأبرزها بالطبع اتفاق الحكم الذاتى الأولى فى اتفاق كامب ديفيد بعد مبادرة الرئيس السادات ومفاوضات مينا هاوس، وكذلك ذكر وأبرز الأمير بندر لفرصة أخرى مماثلة وكانت مصرية - سعودية عبر جهده هو والسفير المصرى فى واشنطن نبيل فهمى فى نهاية عهد الرئيس بيل كلينتون، وقبل مغادرة الأخير البيت الأبيض بأيام معدودة، ثم ما كان من مراوغات ومماحكات عرفات كالعادة حتى أضاع الفرصة وهكذا دواليك حتى وصلنا الى هذا الحال.
وفى تقديرى انه اذا كان الوقت ضيقا ولم يسعف السفير بندر فى ذكر مزيد من الحقائق والوقائع فإن، هناك فى المقابل شهادة حية تحتوى على المزيد من التفاصيل والوقائع، وتحمل بالسرد المطول حقيقة الجهد المصرى عبر عصور طويلة، وان كان أبرزها وأكثرها زخما بعد تضحيات الحروب والنضال المصرى سنوات طويلة تلك الفترة من عام 1988 وكانت تركز على الجهد والحراك السلمى والتفاوضى الذى انتهجته وخطته مصر لبلوغ هدف الوصول للدولة الفلسطينية وأعنى هنا بالدقة ذلك الجهد الجبار الذى جاء على لسان وزير الخارجية المصرية احمد أبوالغيط حتى مارس عام 2011 ومن ثم الأمين العام الحالى للجامعة العربية حيث يذكر الرجل فى كتابه الثانى شاهد على الحرب والسلام الكثير من التفاصيل والنقاط العامة والحساسة والاتصالات المعلنة والأخرى عبر الكواليس مع الفلسطينيين منذ مؤتمرهم فى الجزائر لإقامة الدولة الفلسطينية ووصولا لترتيبات وتحركات مصر مع الأطراف الفلسطينية والأمريكية والإسرائيلية وعمله فى مكتب وزراء الخارجية حتى التحضير لمؤتمر مدريد فى أكتوبر عام 1991 وقصص البيانات وأوراق العمل المصرية وخطة النقاط العشر لمساعدة الفلسطينيين، وكذلك الجهد الجهيد للتحضير لمدريد وقصص ازالة العقبات أمام تشكيل الوفد الفلسطينى واللقاءات والاجتماعات والجولات العربية والأمريكية والأوروبية لأبو الغيط مع وزراء الخارجية المصريين فى ذلك الوقت وصولا إلى وصف تفصيلى دقيق فى فندق الإقامة وقاعة اجتماعات مؤتمر مدريد وما فعله الوفد المصرى الذى كان أبو الغيط أبرز حضوره مع وزير الخارجية آنذاك عمرو موسى وما تحقق بعد كل ذلك لسنوات طويلة.
بالفعل جهد وحراك مصرى استثنائى كما ذكره وطرحه أبو الغيط عبر عدة فصول فى كتابه هذا خاصة من الصفحة 345 إلى الصفحات 417 لو كانت القيادة الفلسطينية تعاطت معه بحكمة واتزان وثقة بالجهد المصرى كما توازى معه الجهد السعودى الذى نوه عنه وشرحه وذكره الأمير بندر لسنوات طويلة هو الآخر ماكنا وصلنا إلى هذا الحال وتلك السنوات المؤلمة للفرص الضائعة. وان كان مايحز فى النفس ويؤلم البدن انه بدلا من ان يجرى أصحاب القرار الفلسطينى المراجعة النقدية المناسبة، وإعادة النظر المحتسبة لمجمل كل تلك الأخطاء راحوا يوجهون سهام الغضب والتراشق من دون حق للدول الخليجية بعد اتفاقات معاهدتى السلام الإماراتية - البحرينية مع إسرائيل، وكذلك ضد شخص الأمين العام للجامعة، تلك الشخصية التى خدمتهم وساندتهم كثيرا مثل مصر ودول الخليج وذهبوا للارتماء فى احضان تركيا وإيران حاليا ويالها من خيبات تضاف إلى زمن الفرص الضائعة، وهذا ماكان ومازال يحذر منه أبو الغيط والامير بندر الآن، وتلك ستكون مأساة كبرى خاصة ان عداوات هذين البلدين لمصر والخليج فحدث ولاحرج.
لمزيد من مقالات أشرف العشرى رابط دائم: