ولايات أرض المعارك

وصلت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020لقرب نهايتها واشتعالها, بعنف لا مثيل له فى تاريخ الانتخابات الأمريكية. إنها انتخابات تحدث تحت تأثير وباء يسبب ركودا اقتصاديا عاصفا, وفوضى مصنعة وغير مصنعة بمؤثرات خارجية وداخلية, تعم غالبية المدن الأمريكية الكبرى مثل نيويورك ولوس أنجلوس وسياتل وبوتلاند وغيرها، والتى توجد بها حركات مناهضة للعنصرية والاستعلاء الأبيض, وحرب ضد المهاجرين من أصول غير بيضاء وغير أنجلوساكسونية. واستقطاب غير معهود من قبل, والغريب فى الأمر أن المحرك الأساسى له هو الرئيس ترامب نفسه والمنوط به محاربة الاستقطاب. إنها حرب ثقافات بين قطب يمينى متشدد محافظ ممثلا فى الحزب الجمهورى وقطب ليبرالى يسارى يمثله الحزب الديمقراطى. الولايات المحافظة يطلق عليها الولايات الحمراء, وهى دائمة التصويت لمصلحة المرشح الجمهورى أيا كان هو والولايات الليبرالية يطلق عليها الولايات الزرقاء, وهى التى تصوت لمصلحة المرشح الديمقراطى أياكان, وبينهما تسمية ثالثة يطلق عليها «بنفسجى». الولاية الموصوفة بالبنفسجى الأمر فيها متشابه, فمنهم المحافظ ومنهم الليبرالى ومنهم دون ذلك, وأصوات سكانها تتأرجح بين الديمقراطيين والجمهوريين, وأنها توصف أيضا بأنها أرض المعركة الانتخابية المستعرة والتى يركز المرشحون على نيل أصوات ناخبيها بكل الطرق وينفقون فيها غالبية وقتهم ومجهوداتهم لإقناع سكانها بالتصويت لهم, لأن ذلك دائما يحدد الفائز بالانتخابات الرئاسية. وإذا ما أتيح لأحد مشاهدة حديث أو تحليل عن الانتخابات الأمريكية أو نتائجها عبر الشبكات الاخبارية أو وسائل التواصل الاجتماعى فإنه من الضرورة معرفة المفهوم, تاريخه ودلالته. تاريخيا لم يستخدم المفهوم عبر تاريخ الانتخابات الأمريكية منذ إعلان ولادتها, وأن استخدامه بدأ عام 2000 عندما استخدمه مذيع فى شبكة إن. بى. سى يدعى تيم راسيرت فى أثناء التغطية الانتخابية حينها عندما كانت أمامه خريطة الولايات المتحدة الملونة. ومنذ ذلك التاريخ أصبح ذلك الأمر هو المألوف والمستخدم فى ثقافة الانتخابات الأمريكية.

فى الانتخابات القادمة, الولايات الزرقاء بينة والحمراء بينة والبنفسجية بينهما أيضا بينة. طبقا لاستطلاعات الرأى توجد 15 ولاية زرقاء هى: كاليفورنيا, كونيتكت, ديلوير, هاواى, إلينوى, ميرلاند, ماسيتشوسيتس, مينسوتا, نيو جيرسى, نيو ميكسيكو, نيو يورك, أوريجون, رودأيلاند, فيرمونت, وولاية واشنطن فى الساحل الغربى. إضافة الى ذلك توجد أربع ولايات أخرى يمكن وصفها بأنها تميل الى التصويت للديمقراطيين وهى ولايات كولورادو وميين وميتشجان وفيرجينيا. أما الولايات الحمراء فهى: ألاباما, ألاسكا, وأريزونا, وأركانسا, جورجيا, أيداهو, كانساس, كينتاكى, لويزيانا, ميساسيبى, ميسورى, مونتانا, نبراسكا, نورث داكوتا, أوكلاهوما, ساوس كارولينا, ساوس داكوتا, تينسي, تكساس, يوتا, ويست فيرجينيا, وايومنج. الغريب فى الأمر أن اللون الأحمركان هو الممثل للديمقراطيين والأزرق كان هو الممثل للجمهوريين حتى عام 1980. الولايات الزرقاء أشد كثافة سكانية من الولايات الحمراء مثل كاليفورنيا ونيويورك.ما يحدد نتائج الانتخابات الرئاسية هى ولايات أرض المعارك. عدد الولايات التى يطلق عليها ذلك الاسم ليس ثابتا ولكنه متغير مع الزمن. فى انتخابات 1960 كانت هناك ولايتان يطلق عليهما ذلك الاسم وهما ولاية فلوريدا وولاية تكساس. فى عام 2004 كانت ولاية واحدة هى ولاية أوهايو التى حددت الفائز بالانتخابات الرئاسية. فى انتخابات 2020 متوقع وجود ثمانى ولايات متأرجحة ستحدد الفائز فى الانتخابات. هذه الولايات هى: أريزونا وفلوريدا وميتشجان ومينسوتا ونورث كارولينا وبنسلفانيا وويسكونسون وجورجيا. هناك ولايات أخرى مرشحة أن تكون متأرجحة منها ولايات نيوهامبشير وكولارادو وفرجينيا وميين. من أجل هذا ينفق كل من جو بايدن الديمقراطى ودونالد ترامب المرشح الجمهورى وقتهما وأموال التبرعات لكل منهما فى إعلانات تليفزيونية وفى الراديو والصحافة تكلف مئات الملايين من الدولارات. هناك شئ آخر فى ثقافة الانتخابات الأمريكية وهو مايسمى مفاجأة أكتوبر التى دائما تحدث خلال شهر قبل الانتخابات الرئاسية التى تحدث فى الأسبوع الأول من شهر نوفمبر. هذه المفاجأة تكون فى العادة عملا مشينا ومهينا ارتكبه أحد المرشحين تكتشفه صحيفة أو جهة أو شخص, ينتج عنه ميل الكفة لمصلحة المرشح الآخر. عادة يكون تأثير هذه المفاجأة كبيرا فى الولايات المتأرجحة. فى انتخابات 2016, حدثت عدة مفاجآت كان لها عظيم الأثر على فوز ترامب بالرئاسة. كان أهمها إرسال جيمس كومى مدير الإف.بى.آى بتاريخ 28 أكتوبر خطابا الى أعضاء مجلس الشيوخ يخبرهم فيه بأنه جدت أدلة جديدة فى قضية الحساب الإلكترونى لهيلارى كلينتون والتى كانت قد حسمت من قبل. على الفور استغل أعضاء المجلس من الحزب الجمهورى الأمر وأشاعوا أن التحقيقات مع هيلارى كلينتون قد فتحت مرة أخرى وسيتم تجريمها. يجمع الجميع على أن هذا الخطاب هو الذى أسقط هيلارى كلينتون فى الانتخابات بعد أن كان الجميع ينتظر اكتساحها لها. خسرت فلوريدا وبنسلفانيا وميتشجان فخسرت الانتخابات. الجديد فى انتخابات 2020هو ظهور مفاجآت فى شهر سبتمبر أولاها أوردتها مجلة أتلانتك مفادها أن الرئيس ترامب وصف الجنود الأمريكيين الذين قتلوا فى الحرب العالمية الثانية بأنهم فشلة وخاسرون عندما رفض زيارة مقابر ضحايا الحرب العالمية الثانية فى باريس خلال الاحتفال بمرور 70 عاما على انتهائها, والذى عقد فى باريس فى مايو 2019. المفاجأة الثانية أوردها الصحفى بوب وودورد فى العاشر من سبتمبر وهى أن ترامب كان يعرف خطورة الكورونا ورغم ذلك قلل منه بقصد. أغضب ذلك الجميع خصوصا أهل الضحايا. قبل هاتين المفاجأتين كان المرشح الديمقراطى جو بايدن يسبق الرئيس ترامب فى جميع ولايات أرض المعارك الثمانى المذكورة أعلاه بنسب متفاوتة وأنه يسبقه على مستوى كل الولايات بأكثر من 8%. هذه النسبة مرشحة للزيادة مالم تحدث مفاجآت خارجية مثلما يدعى البعض أن روسيا والصين وإيران تخطط للتدخل فى تلك الانتخابات, ومفاجآت داخلية خلال المدة القصيرة القادمة تتعلق بفضائح أو فساد قد يكون ارتكبه أى من المرشحين عبر تاريخه، تؤثر على الناخبين خصوصا ناخبى الولايات المتأرجحة خلال شهر أكتوبر الحالى.