ما تحقق فى قطاع الطرق بمصر خلال السنوات القليلة الماضية شيء يدعو للفخر.
لو كان «المشروع القومى للطرق» وما يضمه من طرق جديدة وكبارى وأنفاق هو الإنجاز الوحيد لرئيس أى دولة أو حكومة أخرى غير مصر لأقاموا له التماثيل.
لو سألك سائل: «لماذا يبنون الطرق والكباري»؟ و«لماذا لا ينفقون الأموال على الأكل والشرب والغلابة»، توقف عن مناقشته فورا!
ولو كان السائل صديقا، نصيحة، راجع علاقتك به!
فلا نهضة حقيقية فى أى دولة بدون شبكة طرق حديثة عملاقة، والصين وألمانيا نموذجان.
قبل دعوات التظاهر الفاشلة فى 20 سبتمبر، قال لى «أحدهم»: «ماذا سنفعل بالطرق والكباري»؟ فأجبته «ما تمشيش عليهم»!
وقبل دعوات التظاهر الأكثر فشلا فى 25 سبتمبر، كتب «أحدهم» على تويتر يطالب بحرق وتدمير طرق وكبارى السيسي!
ألهذا الحد يبدو الموضوع «مؤلما» لكل من يكره هذا البلد؟!
فى 2014، أطلقت مصر مشروعا هائلا هو «المشروع القومى للطرق» الذى يضم طرقا وكبارى بطول 7 آلاف كيلومتر، وبتكلفة 175 مليار جنيه، وحتى الآن، تم تنفيذ 85% منه.
جرب الآن أن تسافر خارج القاهرة، وانظر بنفسك حجم ونوعية الطرق التى باتت تقصر المسافات، وتجعل السفر متعة، ليس هذا فحسب، بل شاهد بنفسك الفارق مثلا بين الطريق الساحلى الدولي، وما به من تشققات ومطبات و«منبعجات»، تعبر عن مرحلة سابقة من عمر مصر، هى التى أنشئ فيها الطريق، وبين الطريق الدائرى الإقليمى الجديد الذى يشق مصر «بالعرض»، وما به من أناقة وجمال وروعة، ودقة فى التصميم والتنفيذ.
ما تم تنفيذه فى القاهرة الكبرى وحدها أقل ما يقال عنها إنها عمل «أسطوري» ليتنا نستحقه، ولا أبالغ فى هذا الوصف على الإطلاق، فتنفيذ 22 كوبرى فى 6 أشهر فقط فى مدينة مكتظة بالسكان والبشر والمصالح والشروط والطلبات والمقترحات، وإنهاؤها فى زمن قياسي، شيء مبهر، عبر عنه «يوتيوبرز» مصريون عاديون جدا بفيديوهات تقول إنك الآن يمكن أن تنام وتستيقظ لتجد أمام بيتك وقد ظهر فجأة كوبرى أو اثنان!
حدث هذا بالفعل فى مصر الجديدة وفى مدينة نصر، وما زال يحدث، فى أحياء ومناطق أخري، بعضها به شوارع كان يستحيل فيها مجرد التفكير فى دخول «ونش» إليها!
أما النتائج فمبهرة، فبعيدا عن خطوط مترو الأنفاق الجديدة، أصبح المشوار الذى كان يحتاج إلى الحصول على «إجازة من الشغل» للقيام به بالسيارة، من شبرا مثلا إلى مصر الجديدة، أو من مدينة نصر إلى المطرية، أو من «الهرم» إلى وسط المدينة، لا يستغرق الآن أكثر من نصف الساعة، وكل هذا معناه توفير فى الوقت والنفقات والوقود، وإلغاء مبررات ارتفاع أسعار نقل السلع والبضائع والركاب، وسد أحد أبواب احتقان وغضب المصريين الدائم، وصورة حضارية لمصر بأكملها.
ومع ذلك، ولأننا نتحدث عن مشروعات نفخر بها، ما زالت هناك بعض الملاحظات التى يجب وضعها فى الحسبان عند تنفيذ بعض الطرق والمحاور الجديدة، أولها الاهتمام بالصيانة والعناية الدورية، والثانية، مراعاة «الفينيشنج»، لهذه الطرق، وبخاصة فى الشوارع المحيطة بالطريق أو الكوبرى الجديد، وهو ما طالب به الرئيس أكثر من مرة بالفعل.
فبالنسبة لـ«أولا»، أثبتت الممارسة أنه لا يجوز على الإطلاق إنفاق مليارات الجنيهات فى طريق أو كوبرى أو محور ثم تركه بدون علامات إرشادية أو خطوط حارات، أو بلا صيانة، و أيضا بلا تأمين من أفعال بعض «الرعاع» من هواة التخريب أو التشويه أو سرقة مواد المشروع نفسه، وهو ما دفع المسئولين مثلا إلى توفير تأمين وحراسة دورية على كوبرى مثل روض الفرج، للحفاظ عليه من عبث هؤلاء، فليس مقبولا أن تنفق الدولة مليارات على مشروع، لنجد شخصا لا يساوى «قرشين»، وقد مر بليل ليكتب على جدران النفق أو الكوبرى بالبوية «باحبك يا سوسن»، أو «للذكرى الهباب»، وهى «هباب» فعلا!
وبالنسبة لـ«ثانيا»، على من نفذ هذه المشروعات «مشكورا» أن يكمل جميله ويولى اهتماما أكبر بالطرق الجانبية والفرعية والمطالع والمنازل للكبارى والأنفاق، فليس لائقا أيضا، أن يكون الكوبرى أو الطريق الجديد «زى الحرير»، وتنزل منه لتجد نفسك قد انحشرت فى شوارع مهملة، منعدمة الخدمات المرورية، مليئة بالمطبات المفاجئة والحفر المدمرة والأوضاع غير الإنسانية، وكأننا انتقلنا إلى عالم آخر تماما، شديد الفوضوية، وهو وضع يتمنى أعداء مصر استمراره!
عاش بناؤو مصر، وفى انتظار مزيد من طرق وكبارى السيسي، ولا عزاء للمخربين، والممتعضين!
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: