رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

.. والسفراء أيضا «معادن»!

الناس «معادن»، والسفراء الأجانب فى مصر أيضا «معادن» و«أنواع»، كل حسب دولته، وحسب طبيعة علاقة دولته بمصر، وأيضا حسب المواصفات الشخصية الخاصة بكل سفير.

هناك السفير «الخفي»، الذى لا تراه ولا تسمع عنه حسا ولا خبرا، إلا فى مرتين فقط، الأولى عند تقديم أوراق اعتماده، والثانية عند انتهاء مدته!وهناك السفير «الاجتماعي»، الذى تجده حاضرا متأنقا مبتسما فى المناسبات الدبلوماسية للبعثات الأجنبية، ولكنه لا يظهر فيما هو أكثر من ذلك!

وهناك السفير «الناشط» أو «الفاعل»، الذى يؤدى عمله على أكمل وجه، «زى الكتاب ما بيقول»، ولا يعتبر نفسه «ضيف شرف»، خلال فترة خدمته فى مصر.

النوع الأول ما أكثره، وهناك سفراء دول مهمة للغاية يحاولون دائما عدم الظهور فى الصورة، لأسباب قد تكون سياسية، أو ربما لأسباب تتعلق بشخصية السفير نفسه.

والنوع الثانى أيضا موجود، فهناك سفراء يستمتعون بوجودهم فى مصر، وبكونهم جزءا من المجتمع الدبلوماسى الأجنبى فى هذا البلد، ولكن ليست لديه عوامل مشجعة تدفعه لـ «حرقة الدم» فى اجتماعات ولقاءات و«مشاوير» هنا وهناك.

أما النوع الثالث، فهو الأكثر كفاءة وفاعلية، والأكثر تواصلا مع الجهات المحلية، والوزراء والمسئولين البارزين، بل ومع السكان المحليين أنفسهم، لدرجة أنك تجده أحيانا فى قلب «الشارع»، أو فى أماكن قد لا تتوقعها.

والأمثلة على النوع الثالث كثيرة، والسبب فى ذلك أن غالبية دول العالم تتعامل مع مصر على أنها دولة «مفتاحية» لعدة أقاليم ذات أهمية بالغة، كالشرق الأوسط، والعالم العربي، والإسلامي، وإفريقيا، والمتوسط، والقرن الإفريقي، وغير ذلك، فضلا عن عوامل اقتصادية وتجارية بحتة يفرضها الموقع الجغرافى والمكانة السياسية والقوة السكانية لمصر، فضلا عن كونها قوة اقتصادية صاعدة، وهو ما يدفع معظم الدول لتعيين سفراء مميزين لها فى مصر، وتجدهم فى الصورة ليل نهار.

سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا وفرنسا والصين واليابان وروسيا من أبرز الأمثلة على هذا النوع، أضف إليهم سفير نيوزيلاندا صاحب تغريدة «المانجو الإسماعيلاوي» الشهيرة على تويتر التى قدمت دعاية بملايين الدولارات للصادرات الزراعية المصرية، فالرجل، كمثال على سفير «الشارع»، وصل به العشق للمانجو المصرية لدرجة أنه نظم استفتاء على الإنترنت لاختيار أجود أنواع المانجو، وانتهى الاستفتاء بفوز «العويس»، ولنا أن نتخيل مدى أهمية ما فعله هذا السفير، واسمه جريج لويس، حتى وإن كان ممثلا لدولة قد تبدو صغيرة أو بعيدة جدا بالنسبة لمصر، ولكنها السمات الشخصية، و«الكاريزما» الخاصة، التى يمكن أن تضع الدبلوماسى فى مكان آخر تماما بعيدا عن مهنة «الموظف»، أو حتى «السياسي».

قبل أيام، كان لى لقاء مع سفير كوريا الجنوبية الجديد هونج جين ووك، فوجدته مثالا رائعا للنوع الثالث الذى تحدثنا عنه، فمن الواضح أنه جاء إلى مصر لتحقيق نقلة كبيرة جدا فى مستوى العلاقات بين البلدين، ولديه أفكار شديدة الطموح من شأنها تدعيم العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية الرائعة التى تربط البلدين من قبل مجيئه.

السفير لا يخجل من وصف نفسه بـ «الخاطبة» التى «توفق» بين شخصين، فيرى أن مهمته الرئيسية تقوية وإنجاح العلاقات بين دولتين إلى أقصى مدي، مع الالتزام بواحدة من أهم أبجديات السياسة الخارجية لبلاده، وهى تجنب منهج إلقاء المحاضرات أو التدخل فى شئوننا، كما تفعل دول أخري، انطلاقا من أن كوريا مرت بنفس تجربة التحول الديمقراطى والاقتصادي، بل وتحولت من دولة متلقية للمساعدات من دول العالم، ومن بينها مصر، إلى دولة مانحة للمساعدات.

السفير يتمنى أن تصبح مصر شريكا تجاريا رئيسيا لبلاده، ومنصة انطلاق للشركات الكورية نحو إفريقيا، على غرار مصنع تكرير البترول فى مسطرد ومصنع الإلكترونيات فى بنى سويف، وهناك مفاوضات جارية بين شركة دواء كورية وأخرى مصرية لإنتاج علاج كورونا من بلازما المتعافين.

السفير يحمل فى جعبته نتائج دراسة اقتصادية دولية مهمة تقول إن كوريا الآن هى صاحبة الاقتصاد رقم 12 عالميا، ولكنها فى عام 2100 ستكون رقم 20، بينما مصر ستكون فى عام 2100 من بين أكبر 23 اقتصادا فى العالم، أى أنها ستكون أفضل من كوريا، وبالتالى يجب أن يكون لكوريا قدم ثابتة فى مصر من الآن!

طبعا الرجل لا يمزح، ولا يجامل، ولكن هكذا يفكر الكوريون فعليا، وهكذا تقدموا، بينما تأخرنا نحن بسبب منطق «التسويف»، و«الطبطبة»، و«بلاش احتقان»، الذى يخرج لسانه لنا فى جميع ملفات التطوير كلما قطعنا خطوة للأمام.


لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل

رابط دائم: