رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«إن مع العسر يسرا»

دائما تستيقظ البشرية وتنهض لتعوض ما خسرته فيما يشبه رد الفعل عندما تصاب بمصيبة كبيرة. هذا مدعاة للأمل ونحن وسط جائحة كورونا. إذا ما درسنا ما حدث عقب الجائحة الإسبانية التى قتلت قرابة الخمسين مليونا وأنهكت البشرية بطريقة مفجعة, فإننا نجد أن البشرية عبر عشر سنوات فقط عوضت خسائرها، وأحرزت من التقدم فى كل مجالات الحياة مما أسهم فى جودة الحياة وتحسينها للأجيال القادمة. فى الأحياء والطب والفيزياء والكيمياء والاقتصاد والتكنولوجيا وفى المجالات الإنسانية وفى الصناعة والزراعة والتصنيع والنقل والاتصالات اللاسلكية وخصوصا فى استخدام الكهرباء لاضاءة المنازل وأماكن العمل ومحطات الإذاعات وشبكات الراديو والتليفونات. كل ذلك جعلها سنوات نمو اقتصادى وتطور سريع مطرد. شهدت العشرينيات بزوغ الولايات المتحدة كقوة عظمى فى الصناعة وفى الاقتصاد والتجارة العالمية نتيجة حيازتها على كثير من المصادر الطبيعية. كل هذا أدى الى ظهور خطوط التصنيع بالجملة لأول مرة فى التاريخ وهو الأمر الذى ابتدعته شركة فورد للسيارات. إضافة الى ذلك زاد إبداع البشرية وتحسنت الاقتصاديات وحدثت ثورة إدارية موازية, وبدأت صناعة السينما وزاد الإقبال على مختلف المنتجات وظهرت المحلات ذات الفروع المتعددة وازدهرت طرق الإعلانات وحدث نمو كبير فى الأسواق المالية.

كان التطور العلمى شاملا ولم يقتصر على فرع منه. حدثت ثورة فى الطب منها اكتشاف فيتامين دى عام 1921 ومدى ضرورته، وفى 1922 تم استخدام الإنسولين فى علاج مرض السكر وفى 1923 اكتشف مصل علاج الدفتيريا وفى نفس السنة اكتشف أرنو لوكهارد إمكانية استخدام غاز الإيسلين فى التخدير، وهو ما تم بعدها بعشرين سنة حيث أصبح استخدام غاز الإيسلين فى كل العمليات الجراحية الإساسية، وفى عام 1926 اكتشف مصل علاج السعال الديكى، وفى 1927 تم اكتشاف أول مصل للدرن وأول مصل علاج التيتانوس، وفى عام 1928 اكتشف ألكسندر فليمنج البنسلين وهو أول مضاد حيوى فى التاريخ. التطور الأعظم خلال تلك الحقبة حدث فى الفيزياء. فى عام 1924 اكتشف الفرنسى لويس دي بروى الطبيعة المزدوجة للموجات الضوئية وهو نفس الاستنتاج الذى توصل إليه عالم مصر العظيم على مصطفى مشرفة. فى عام 1925 اقترح ولفجانج باولى النمساوى مبدأه المهم فى ميكانيكا الكم والذى أدى لتطور ذلك العلم. وفى عام 1926 قدم هايزنبرج الألمانى مبدأه المعروف بمبدأ الحيرة, الذى مكن كلا من إيرون شرودنجر وبول ديراك من وضع أسس علم ميكانيكا الكم والذى بدونه ما فهمت البشرية بنيان المادة. وفى 1927 قدم جورج لوميتر نظرية الانفجار العظيم لتفسير بدء الكون. وفى 1929 شرح إدون هابل نظريته بخصوص أن الكون فى تمدد مستمر, وفى نفس السنة اخترع ارنست لورنس السيكلتورون فى جامعة كاليفورنيا بيركلى، وفى عام 1930 اكتشف علماء الفيزياء الألمان النيوترون. فى مصر كان فؤاد ملكا وكان عصر ازدهار تعليمى وثقافى واقتصادى حيث بني الكثير من مؤسسات الدولة المصرية الحديثة. فى عام 1920 أنشأ طلعت حرب بنك مصر الذى لم يكن بين مؤسسيه أى أجانب، وهو البنك الذى دعم صناعة السينما والعديد من الصناعات الأخرى. فى عام 1921 أنشىء معهد الموسيقى العربية ,ظهر أيضا دستور 1923, مؤذنا بظهور أول انتخابات برلمانية عامة فى مصر فى الثانى عشر من يناير 1924، كانت حرة لدرجة أن رئيس الوزراء خسر مقعده أمام مرشح الوفد فى دائرته ومسقط رأسه فى منيا القمح بمحافظة الشرقية. فى 11 مارس 1925 صدر مرسوم قانون إنشاء جامعة القاهرة باسم الجامعة الحكومية, إضافة الى زيادة ارتفاع عدد المدارس فى كل مراحل التعليم فى كل أنحاء القطر، وفى نفس السنة طبع كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلى عبد الرازق، وفى 1926 كتاب الشعر الجاهلى لطه حسين وهما من علامات الثقافة المصرية والعربية. حتى الصعيد نابه من التطور نصيبا موفورا فى تلك الحقبة. يصف لنا كتاب الأيام الملكية فى صعيد مصر سنة 1930 أن الملك فؤاد قام بزيارة أقاليم الصعيد فى الفترة من 15- 29 ديسمبر. أخذ الملك القطار من القاهرة الى الاقصر، وفى اليوم الثانى افتتح روافع الماء ومولدات الكهرباء وافتتح تأسيس دارالاسعاف. فى اليوم الثالث ذهب الى قنا وافتتح دعم الميناء، وفى اليوم الرابع افتتح روافع المياه ومولدات الكهرباء بقنا وارسى الحجر الاول فى دار الاسعاف ثم ذهب الى نجع حمادى، وفى اليوم الخامس افتتح قناطر نجع حمادى ثم تحرك الموكب سوهاج، ثم الى اسيوط حيث افتتح العديد من المشروعات التعليمية، وفى اليوم الثامن ذهب الى منقباد حيث اعتمد الاساس لمستوصف الاميرة فوزية، وفى اليوم التاسع كانت زيارة الروضة بأسيوط وفى اليوم الحادى عشر تم استقباله بالمنيا حيث اعتمد اساس ميناء المنيا وافتتح ملجأ العجزة وافتتاح دار الكتب ومجلس المدينة ومتحف المدينة بالمنيا، وفى اليوم الرابع عشر تحرك الموكب الى الواسطى حيث افتتح مستشفى الواسطى الجديد واستمع خلاله الى ما قامت به وزارة الصحة عام 1930 من إنجازات شملت 14 مستشفى مركزيا و27 مستشفى قرويا.

إن هناك ثورة علمية وتكنولوجية قادمة مثل الثورة التى حدثت فى عشرينيات القرن الماضى وأولى بمصر أن تكون مستعدة لها والاستفادة من المساهمة والمشاركة فيها. لدينا القاعدة الأساسية القادرة وكل المطلوب تخصيص الإمكانيات الأساسية والتخطيط الإستراتيجى والاهتمام الحقيقى بالتعليم فى جميع مراحله وتخصيص الدعم الكافى للبحث العلمى الحقيقى وإدراك أنه استثمار ومسألة حياة وأمن قومى. منذ بداية كورونا ونحن ـ متفرجين ـ نشاهد الأمم المتقدمة فى سباق محموم لتصنيع مصل للكورونا. سنرى قريبا من الذى سبق وحقق الخلود والمجد والعلا فى تصنيعه. فى القرن الماضى كانت مصر تئن تحت طأة احتلال أجنبى جاثم، ومع ذلك شاركت وسارت فى موكب العالم الاقتصادى والعلمى والثقافى ولم تتقاعس أبدا. هى الآن حرة وقادرة على المنافسة.


لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة

رابط دائم: