قولا واحدا، و«اللى يزعل يزعل»: التعدى على المال العام جريمة، والبناء على أملاك الدولة سرقة بالإكراه، ومن يبنى مخالفا لص, ومن يبنى على الأراضى الزراعية أكثر من لص، بل ومفسد فى الأرض، وليس له أوصاف أخرى، هو ومن سهل له جريمته، ومن يدافع عنه، فمن يدافع عن لص، لص مثله، وشريك فى الجريمة، ومن يلتمس له الأعذار والمبررات ويطالب بتأجيل المساس به يجب أن يحاكم معه، فأمام القانون، مبررات الجريمة قد تخفف العقوبة، ولكن لا تلغيها، والجهل بها ليست طريقا للبراءة، ووجود متهمين آخرين لم يتم القبض عليهم فى الجريمة نفسها ليس مبررا للدفاع عن مجرم أو تخفيف العقوبة عنه!
لم تصدمنى صفحات «الغلابة» على السوشيال ميديا التى تسب الدولة بسبب حربها ضد مخالفات البناء، ولكن ما صدمنى وجود سياسيين وإعلاميين ومثقفين ونخب انحازوا للباطل وانبروا بكل الحجج للدفاع عن عصابات البناء المخالف التى «غفلت» الدولة فى 2011، وما بعدها، ونهبت أراضى زراعية، أو شيدت مبانى مخالفة، فى الوقت الذى ينتقد فيها هؤلاء أنفسهم إثيوبيا لأنها استغلت غياب الدولة المصرية أيضا فى 2011 وما بعدها لبناء سد الخراب، ولذلك، لم يكن الرئيس مبالغا عندما قال إن البناء المخالف على الأراضى الزراعية لا يقل خطورة عن قضية السد الإثيوبي، فكلاهما اعتداء, وكلاهما خسائره فادحة، وسيدفع المصريون جميعا ثمنا غاليا لذلك، فنظرة واحدة على خريطة مساحة مصر الزراعية عام 2020، مقارنة بمساحتها عام 2000، كفيلة بإصابة أكثر المتفائلين بالاكتئاب والإحباط، فبناء بيوت حقيرة شبيهة بالمقابر فوق الأراضى الخضراء لتسكين فلان ابن فلان أو حفيد علان، معناه بوار أراض خصبة تحسدنا عليها دول مجاورة، وبالتالي، تراجع مساحة الأرض الزراعية (3% فقط من مساحة مصر)، وبالتالي، نقص إنتاجنا من المحاصيل، وبالتالي، ارتفاع أسعارها فى الأسواق عاما بعد آخر، وبالتالى ارتفاع فاتورة استيراد السلع الزراعية من الخارج، وبالتالى أعباء إضافية على ميزانية الدولة التى تضطر لدفع دم قلبها فى مشروعات استصلاح أراض جديدة فى الصحراء، من أجل تعويض ما فعله اللصوص, الذين يصفهم البعض ظلما بــ«الغلابة»!!
فأى منطق هذا؟ وأى زمن هذا الذى نعيش فيه؟ هل أصبح اللص هو المجرم والضحية، ومنفذ القانون هو الظالم الجلاد؟ أى مجتمع هذا الذى يطالب فيه الناس بمحاربة الفساد، وإذا سقط أحد الكبار قالوا «تصفية حسابات»، وإذا سقط أحد الصغار أنشدوا «موال» الغلابة ومعلقات الصعبانيات، و«حسبى الله ونعم الوكيل فى الدولة الظالمة»، و«سيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون»؟!
أى مجتمع هذا يدافع عن اللصوص والفاسدين، كبارا وصغارا؟! أى مجتمع هذا الذى يتبنى نظرية «بص العصفورة»، فإذا حوسب أحد، قالوا «جاييين ع الغلبان وسايبين الكبار»، وإذا حوسب كبير، وقد حدث بالفعل، قالوا «شو»، وإذا حوسب هذا وذاك قالوا لابد أولا من محاسبة من سهلوا لهم ذلك، وخوفونا من الاحتقان؟ أى مجتمع هذا الذى يخشى احتقان اللصوص وثورة البلطجية ومنعدمى الضمائر؟ أى مجتمع هذا الذى يدعو لمحاسبة ملاك وترك مستأجرين، بحجة أنهم لا يعرفون، مع أن من يشترى قميصا، أو حتى كيلو طماطم، يفحصه ويقلبه جيدا قبل الشراء؟ ألسنا أمام خطة خبيثة هدفها أن يختلط الحابل بالنابل، وتتوه الأمور، وتتبعثر الاتهامات، وتضيع القضية؟! أليس من العار أن تكون إعادة هيبة الدولة ونفاذ القانون سببا لتراجع الشعبية، بينما دغدغة مشاعر الناس بالكذب والبهتان هى التى تأتى بالشعبية والنجومية والترافيك؟!
بالله عليكم، كم من الجرائم فى مصر ترتكب باسم «الغلابة»؟
نحن الغلابة يا سيادة الرئيس. نحن «ملح الأرض»، لا ناهبى الأراضى، ومن دافع عنهم. نحن من نريد أن تصبح مصر دولة قانون، لا من يريدونها فوضى. نحن من نريد مستقبلا أفضل لنا ولأبنائنا، لا من يتعاملون معها على أنها «نهيبة». نحن من نسدد الضرائب والفواتير والرسوم عن دخول هزيلة، لا من يتهربون منها. نحن من ندفع شقا أعمارنا فى أقساط شقق، لا من يبنى مخالفا، ويحميها بمسجد «ضرار». نحن من نقف فى إشارات المرور، لا من يكسرها ثم يتهرب من سداد مخالفاته لأنه من «الغلابة». نحن من نتاجر بما يرضى الله، لا من يسرح بالمهرب والمغشوش ويقطع الطريق ويسرق التيار ويردد بوقاحة «ولا استغلال المحلات»!
قف معنا نحن، لا معهم، حتى وإن كانوا بعشرات الألوف، ومهما علت أصواتهم، فكل ما نحلم به، نحن وأنت، مستقبل أفضل لوطن لا يسرقه أحد.
لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل رابط دائم: