رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حدوتة «السفير المغرور»!

.. «مصر تعود الآن إلى وضع مشابه كثيرا لوضعها قبل ثورة 2011، مستقرة على السطح، ولكن مع مشكلات هيكلية عميقة، ومخاطر مجتمعية عويصة، ومحاولات ضعيفة لتهدئتها».

.. هذه العبارة «البلهاء» لم ترد على لسان أحد مجاذيب يناير، أو نشطاء الفيسبوك، أو زبائن مقهى «ريش»، أو أحد مذيعى «الجزيرة» أو «الشرق» أو «مكملين»، وإنما للأسف تغريدة نشرها السفير إيفان سوركوش رئيس بعثة الاتحاد الأوروبى فى مصر على حسابه الشخصى بعد انتهاء فترة عمله بالقاهرة.

تغريدة السفير لم تصدمني، فمن حقه أن يقول ما يريد فى أى موضوع، على حسابه الشخصي، ولكن من حقنا أيضا أن نرد عليه، إعلاميا.

ما هو مؤسف حقا أن السفير سوركوش اشتهر طوال فترة عمله بإصراره على توجيه الانتقادات الحادة إلى سجل مصر الحقوقي، بإعادة نشر تقارير منظمات حقوقية دولية وأوروبية تستند إلى معلومات مغلوطة.

وما هو مؤسف أيضا أن ألف باء العمل الدبلوماسى أن يكون التقارب، لا التباعد والتناحر، هو دورك ومهمتك، لا العكس.

وما هو مؤسف أكثر أن تركز كدبلوماسى أو كسفير فى دولة على نقطة خلافية واحدة فى بحر متسع من أوجه العلاقات الثنائية، بدليل أن الخلاف بين مصر وبروكسل حول الملف الحقوقى بالذات لا يشغل سوى حيز محدود جدا فى منظومة العلاقات القوية والمتميزة التى تربط بين مصر والاتحاد الأوروبي.

أما المخجل، فهو أن ما قاله السفير لم يكن كلامه، وإنما عبارة أعجب بها وردت فى تقرير مشبوه أعده مركز بحثى «مجهول» عن الأوضاع فى مصر وبعض الدول العربية الأخرى تضمن معلومات فى اتجاه واحد، عكس اتجاه شهادات المؤسسات والمنظمات الدولية فى أداء الاقتصاد المصري، بما فيها الاتحاد الأوروبى نفسه.

شيء مؤسف ومخجل ومحزن أن يكون مبعوث كتلة مهمة مثل الاتحاد الأوروبى بهذه العقلية، وبهذا المستوى، حتى وإن كان قد رحل عن منصبه.

ويكفى أن نعرف أن تغريدة السفير «المغرور» لم تلق الاحترام الذى انتظره على موقع تويتر، بدليل أنها على مدى أسبوع كامل، لم تجتذب أكثر من خمسة لايكات «إعجاب»، و2 ريتويت «إعادة تغريد»، وهو ما يعنى أن الرجل يكلم نفسه، أو يغرد خارج السرب، أو يقول كلاما لا يستحق الاهتمام!

طبعا، قد يكون للرجل بعض العذر، فهو يدرك أنه انتهى دوره، و«الحدوتة» انتهت، وقد لا يتم ترشيحه لمناصب أخرى فى الاتحاد الأوروبي، ولا فى بلده سلوفاكيا، بعد انتهاء عمله فى القاهرة، ولهذا، أراد أن يجتذب الأنظار بتغريدة تعيده إلى الأضواء مجددا، ولكن كان الغريب فى الأمر أولا أن ينتظر سوركوش كل هذه السنوات ليقول رأيه المتشائم فى مصر، وكأنه كان مكبوتا أو غير قادر على الكلام، وثانيا: أن يكشف الرجل صراحة عن أن مصادر معلوماته عن بلد كان يقيم فيها هى مجرد مركز بحثى لا قيمة له، ولا مصداقية، وثالثا: أن تكون تغريدته ذات مضمون مختلف تماما مع توجهات وسياسات الجهة التى يمثلها بشكل عام، ولا تخدم العلاقات بين الجانبين، ورابعا: أن يدلى مبعوث دولة أجنبية بتصريحات تحمل شبهة تدخل غير مقبول فى الشئون الداخلية للدولة المضيفة، والتعامل معها على أنها مستعمرة أو جمهورية موز، خاصة أننا نتحدث عن دولة بحجم مصر، وليست إحدى دول «الربيع العربى» المنهارة.

ما فعله سوركوش خطأ لم يقع فيه سفراء دول كثيرون يعملون فى مصر، ويجتهدون لتقوية العلاقات الثنائية بين دولهم والقاهرة، ويخدمون مصالح بلادهم، وهم يتحسسون عباراتهم وتحركاتهم، بما يخدم تلك العلاقات وتلك المصالح، وليس العكس.

وما فعله سوركوش يناقض أيضا سياسات الدول الأوروبية الـ28 الأعضاء فى الاتحاد، كل على حدة، بخاصة من توصف بـ«أوروبا القديمة»، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا واليونان، ومن قبلها بريطانيا التى انسحبت من التكتل، فالأرقام تشير، وبعيدا عن حقبة كورونا، إلى أن حجم التبادل التجارى بين مصر والاتحاد الأوروبى بلغ 14.2 مليار يورو فى النصف الأول من عام 2019 وحده، من بينها 4.6 مليار يورو صادرات مصرية لأوروبا، وكل يوم لدينا الجديد عن زيادة التعاون بين الطرفين فى المجالات الاقتصادية والعسكرية والأمنية والتعليمية والثقافية والمجتمعية، وكذلك فى مجالات الطاقة، فضلا عن التنسيق فى الملفات الدولية والإقليمية الرئيسية، مثل القضية الفلسطينية، وملف ليبيا، والوضع فى شرق المتوسط، ومحاربة الإرهاب، والهجرة غير المشروعة، والإتجار بالبشر.

شكرا إيفان سوركوش على أي حال، ولكن المؤكد أن مصر تستحق من الدبلوماسى الأوروبي القادم إليها قريبا أداء أفضل.


لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل

رابط دائم: