فى الربع الاخير من عام 1991 عرفنى السفير سعيد كمال سفير فلسطين فى القاهرة ونائبه زهدى القدرة الذى صار سفيرا وحل مكانه منتصف التسعينيات على السيد محمود عباس حيث كان الرجل الثانى فى حركة فتح والقيادى الابرز فى منظمة التحرير وخليفة ياسر عرفات فى حالة اغتياله او حدوث مكروه له حيث كنت مكلفا بتغطية الشأن الفلسطينى والملفات العربية بجانب عملى محررا دبلوماسيا معنيا بتغطية انشطة وزارة الخارجية المصرية ووزير خارجيتها عمرو موسى انذاك يوميا حيث استمر هذا العمل الصحفى قرابة عشرين عاما وفى كل مرة يزور عباس القاهرة هو والرفاق من القادة الفلسطينيين اسارع بعمل حوارات ولقاءات صحفية معهم حيث كانت زياراتهم شبه اسبوعية وفى عام 1993حدث الزلزال السياسى وكشف النقاب عن مفاوضات اوسلو السرية بين الفلسطينيين والاسرائيليين قرابة عام دون ان تعلم عنها دولة او جهة فى العالم شيئا حتى المصريين الذين يفتحون ابوابهم يوميا لعرفات والقيادات الفلسطينية وأتذكر يومها وبعد الكشف عن مفأجأة اوسلو المدوية ان أسقط الامر فى يد الرئيس الاسبق مبارك ووزير الخارجية موسى وكانوا يضربون كفا بكف ويتساءلون بشىء من الاسى كيف حدث ذلك ومتى واين وكيف ذهبوا ومتى عادوا وماذا حققوا ومن رتب لهم كل تلك المغامرة.
وبالطبع كان محمود عباس وقتها هو رئيس الوفد الفلسطينى فى تلك المفاوضات بأوسلو وبعد انكشاف سر تلك المفاوضات، وتحديد موعد التوقيع على الاتفاق العالمى حضر عرفات وعباس وعشرات من القادة الفلسطينيين للقاهرة لاطلاع القيادة المصرية على كلمة السر والقصة الكاملة وراء تلك المفاوضات ومن ثم طلب السماح والتجاوز عما حدث دون اطلاع القاهرة مدة عام كامل ومن ثم الاستعداد للسفر جميعهم كفلسطينيين بطائرة خاصة تقلع من هنا وتحمل اعضاء الوفد الفلسطينى وعشية السفر بذلت محاولات ماراثونية للقاء محمود عباس حيث كان النجم الاول والرجل الأبرز الذى يطوف فى سماء عالم السياسة والصحافة العربية والعالمية باعتباره مهندس هذا الاتفاق وبعد ان فشلت لجأت للسفيرين سعيد كمال والقدرة خاصة ان الوفد سيغادر الى اوسلو فجرا حيث نجح الرجلان فى تحديد موعد 20 دقيقة فقط لى مع رجل اوسلو الاول عباس وتحدد اللقاء الساعة الثانية عشرة والنصف ليلا فى فندق كونكورد السلام بجوار مطار القاهرة حيث سيطير ابو مازن وعرفات وغيرهما بعد اقل من ساعتين الى اوسلو للتوقيع حيث كان العالم غارقا فى الدهشة ويقف على قدم واحدة فى انتظار لحظة اللقاء والتوقيع وكيف سيحدث ذلك؟.
يومها ذهبت للقاء ابو مازن فى الموعد المحدد ليلا استقبلنى بسعادة ووجه يغمره الفرح والغبطة وسعادة تطول عنان السماء واول عبارة نطقت بها عند لقائه كانت بالعامية المصرية خلاص عملتوها فضحك وملأ صوت ضحكاته الحجرة هو ومساعدوه الذين كانوا يجهزون الحقائب وبادرنى سريعا نعم ياصديقى سننهى مأساة فلسطين التى استمرت خمسين عاما سنحصل على دولة وعلم ونشيد سنصبح آخر دولة فى العالم تنضم الى الامم المتحدة سيعترف العالم أجمع بنا بعد ثلاث سنوات عندما ننتهى من مفاوضات الوضع النهائى يومها امتد اللقاء قرابة ساعة كشف لى كامل التفاصيل وقصص واسرار تلك المفاوضات السرية، وكيف ذهبوا وماذا فعلوا وتفاصيل الاتفاق وكيف أخفوا هذا السر والكتمان عن المصريين والعرب والعالم ووجه رسالة يومها للجميع فى المنطقة بطلب العفو والغفران حيث للضرورة احكام ولم ينس طيلة ساعة الحوار ان يبلغنى عن سنوات الرخاء والازدهار والانتعاش الاقتصادى وايام النوم على الحرير ووسائد النعام التى تنتظر الفلسطينيين عقب انتهاء مفاوضات الوضع النهائى والقضايا الخمس الحدود - اللاجئين - القدس - المياه -الاستيطان وبعدها اعلان قيام الدولة الفلسطينية الوليدة حيث القادم سيكون مفاجآت من العيار الثقيل وان العالم سيبنى الدولة الجديدة بامواله ومساهماته الفياضة فى اقل من خمس سنوات فقط.
وقبل ان ننهى اللقاء فاجأته هل انت واثق الى هذه الدرجة من الاسرائيليين وهل حصلتم على حزمة الضمانات المطلوبة وانت الأعلم جيدا بالمراوغات والحيل والتسويف لدى العقلية والذهنية الصهيونية تسارع بالقول اطمئن تماما مع اسحاق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلى فى ذلك الوقت كل شىء سيتحقق وسيرى النور وفقا لخريطة الطريق التى وضعناها فى المفاوضات السرية وسنلتقى المرة القادمة انا وانت فى عاصمة دولتنا القادمة القدس وربما آخذك فى جولة الى قريتى صفد لنراها معا وغادرته وأنا مذهول اتساءل بداخلى هل ماقاله لى ابو مازن هو حلم او رواية من وحى الخيال وهل سينجح ويتحقق حلمنا وكنت اشكك بداخلى وأنا اودعه وفى اليوم التالى نشر الحوار على صفحة كاملة.
ومن يومها ظللت التقى ابو مازن بعد ان صرنا اصدقاء فى كل المؤتمرات واللقاءات العربية والاقليمية والدولية وأذكره واتساءل معه متى تحدث معجزة الدولة الفلسطينية حيث كان دوما غير متفائل ومهموما بعد أن جرت مياه معاكسة فى نهر المفاوضات والتسويات واغتيل اسحاق رابين ورحل عرفات مسموما وتولى هو القيادة من بعده وشهدت المنطقة تغييرات جيوسياسية شاملة نسف كل الثوابت وتغيير العالم أجمع وأصبح كل ماحدث وخطط له من الماضى وتعثرت كل المبادرات والجهود والتحركات إلى ان جاءت خطوة الاتفاق الثلاثى الاخير الاماراتى - الامريكى الاسرائيلي.
ولذا أتمنى من الرئيس والصديق ابو مازن ان يتعاطى ايجابيا هذه المرة مع هذا الاتفاق ويفكر جليا ماذا يمكن أن تقدمه الامارات مع اشقائها فى مصر والاردن للعمل والتحرك من أجل إنقاذ عملية السلام من جديد والعمل مع الامريكان والمجتمع الدولى والتدخل والضغط على اسرائيل، فالوقت يمر والانتكاسات تدهمنا، واوراق الضغط العربى تتراجع، ولم يعد هناك مجال للحروب والانتفاضات فهذاعهد قد ولى .. فماذا انتم فاعلون؟.
لمزيد من مقالات ◀ أشرف العشرى رابط دائم: