رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

النزلة الوافدة

«.. وقد اعتمدت فى كتابى هذا على مشاهداتى الشخصية فكلما طالعت بحثا كنت أجتهد فى تطبيقه بنفسى قبل أن أنقله من غير تجربة, وكل ما جاء فى فى العلاج بنيته على تجاربى الشخصية وقد صرحت بالأشياء التى لم أستعملها عقب ذكرها لكيلا أخدع القارىء, ولم أقتصر على أبحاث فئة من الناس ولا بلد من البلدان بل راجعت أقوالا مختلفة لأن الوباء قد يتشكل بأشكال مختلفة حسب الأقوام والبلدان والظروف».

هذه الكلمات من مقدمة كتاب «النزلة الوافدة» أو الإنفلونزا للدكتور سليمان عزمى, مطبعة الرغائب بمصر, 1921. هو الكتاب العربى الوحيد عن الجائحة التى تعرف بالإنفلونزا الإسبانية التى اجتاحت مصر والعالم وقتلت أكثر من خمسين مليونا, أى أكثر من ضحايا الحرب العالمية الأولى. مرد ذلك العدد الكبير من الضحايا هو عدم وجود علاج وأمصال وتوافر العناية والمستشفيات الجيدة مثلما هو الحال الآن. الكتاب كلاسيكى وشامل ويمكن الاستفادة مما جاء فيه فى وباء كورونا, خصوصا أن المؤلف كان معالجا لمصابيها وباحثا من الدرجة الأولى, إضافة الى أنه أصيب بها. الكتاب نادر ويحوى كثيرا من نتائج أبحاثه وملاحظاته الجديرة بالدراسة والاستفادة من توصياته.

يقع الكتاب فى 174 صفحة تشمل المقدمة وأسباب المرض المهيئة وأنواعه الاكلينيكية والنوع الحميد وسير الحرارة فى الإنفلونزا الحميدة والإنفلونزا ذات المضاعفات ومضاعفات الجهاز التنفسى والمضاعفات الرئوية والاحتقان الرئوى والالتهاب الرئوى والالتهاب الشعبى الرئوى الفصى الكاذب وخراج الرئة والسدة الرئوية وشلل الشعب ومنظر الرئة بالأشعة والمضاعفات البلوروية ووقت حصول المضاعفات الصدرية والمضاعفات الأذنية الحلقية ومضاعفات الجهاز الهضمى ومضاعفات الجهاز القلبى الوعائى والمضاعفات الكلوية ومضاعفات الجهاز العصبى ومضاعفات العين ومضاعفات الإنفلونزا الجراحية والإنفلونزا الخبيثة والعواقب المرضية والإنذار والتشخيص والعلاج والاحتياطات العمومية ضد الوباء والاحتياطات الشخصية الواقية والعلاج الدوائى وعلاج الإنفلونزا ذات المضاعفات الرئوية ومقاومة الحالة العفنة وعلاج الأعراض الرئوية نفسها وعسر التنفس وعلاج القلب وعلاج مضاعفات الجهاز الهضمى وعلاج المضاعفات العصبية وعلاج دور النقاهة وتبديل الهواء وغذاء النقاقه والعقاقير العلاجية.

هذا كتاب سابق لزمانه فى شموله ودقته دليل على رساخة المؤلف فى علمه, وتبيان عظمة مهنة الطب فى مصر. رغم أن عمرالكتاب مائة سنة فإنه يقدم للجميع رؤية واضحة شاملة, على حد قوله: «اقصد بكتابى هذا أن يكون درسا للطالب ومرشدا للطبيب المتخرج حديثا وتذكرة للطبيب الذى يمارس صناعته من عهد بعيد». شخص المؤلف الوباء بقوله: يظهر فيها غالبا دور زكام واحتقان فى المجارى الهوائية قبل ظهور أعراض الالتهاب الرئوى, ويكون النبض بطيئا بالنسبة للحرارة , وفى الأحوال الصاعقة يمكث المريض ثلاثة أو أربعة أيام ثم يموت, وأن الشفاء كثير منها, والصفة التشريحية قد ترى نقطا صديدية منتشرة فى نقط مختلفة من الرئة, وأنه لا يمكن تتبع أصل العدوى فى كثير من الأحوال. يمكن الوقاية والاحتراس من هذا المرض. وهو ينتقل الى السليم إذا شم واستنشق سم العدوى الذى يتنفسه الشخص المصاب متى كان بجانبه ويعرف المرض من أعراض وجع الرأس والحلق ونزول مواد من الأنف والسعال ووجع أعضاء الجسم والحمى». يصف العلاج من تلك الإنفلونزا بقوله: «لا يوجد علاج شاف ولاعلاج نوعى للإنفلونزا وينحصر العلاج فى معالجة الأعراض, فإذا دعى الطبيب لمعالجة شخص فعليه أن يقوم بعزل المريض وأن يلتزم ذلك المريض بملازمة الفراش وأن تكون غرفة المريض مشمسة سالكة للهواء وأن يمنع عن المريض تيار الهواء عند تهوية الغرفة. بالنسبة للملابس يكتفى بالقليل منها وإذا شعر المريض بالبرد فعنده الغطاء ولا يثقل المريض بالملابس. بالنسبة لمرضاى أنا أصرح باختيار ما يشاءون مما يأتى: ماء الفول النابت وشوربة الخضار وعصير قصب السكر يفيد كثيرا فى إدرار البول وعصير الليمون الحلو وعصير البرتقال ومنقوع الأثمار الصدرية وهو مسهل لإخراج البلغم فضلا عن مفعوله المسكن البسيط عند شربه ومروره فى المرىء ويحضر بغلى أجزاء متساوية من الأثمار الصدرية وهى العناب والتين والتمر منزوع النوى والزبيب. أيضا مغلى الشاى والليسون والكراوية وماء أفيان والماء العادى. لا يتعين على المريض أخذ تلك الأصناف كلها فى أثناء الحمى بل له الخيار فى أى صنف منها، ويمكن أن يأخذ أكثر من صنف واحد. ويعطى للمحموم قدر ملعقة من المشروبات الروحية سواء أعطيت للتغذية أو لتنبيه القلب. عندما تزول الحمى ويدخل المريض دور النقاهة تعطى له مرقة الفرخة ثم يبتدىء فى التغذية تدريجيا سريعا لا بطيئا فيأخذ المريض كل يوم نوعا من أصناف الغذاء أكثر من اليوم الذى قبله مبتدئا بالأصناف البسيطة السهلة الهضم ومتدرجا الى غيرها فيبتدىء بالمهلبية والأرز باللبن والكريمة فالفواكه المطبوخة والبطاطس المسلوق فالخضار المسلوق فالسمك وصدر الفرخة. والتغذية المعتدلة الجيدة من الوسائل المهمة فى سرعة الشفاء وتقصير دور النقاهة فى هذا المرض. وأحيانا يبقى عند المريض حرارة تستمر لمدة طويلة بعد المرض وأنا أعالجها بالغذاء الجيد والهواء الطلق والراحة. وقد وصلت الى نتائج حسنة جدا من هذه الطريقة وفى بعضها زالت من ثالث يوم ومجموع الأحوال التى شاهدتها وعالجتها بهذه الطريقة يقرب من عشر حالات عولجت فى سنة 1918 وأصبح أصحابها جميعا فى صحة جيدة. بعدها يصف العلاج الدوائى الموجود حينها».

كان الدكتور سليمان عزمى مدرسا بمدرسة الطب عندما كتب كتابه هذا, وتدرج فى مناصبها الأكاديمية والإدارية. فى عام 1927 تم تعيينه أستاذا للأمراض الباطنة بها, ليكون بذلك أول أستاذ لهذا التخصص. تم انتخابه ليكون عميدا لكلية الطب عام 1940, وفى أثناء عمادته تم إنشاء أقسام طب المناطق الحارة والأطفال والأمراض العصبية وأمراض القلب والأمراض الصدرية وأنشأ قسما للدراسات العليا. وفى عام 1946 اختير وزيرا للصحة فى وزارة إسماعيل صدقى. وتم تكريمه باستحقاق جائزة الدولة التقديرية عام 1962.


لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة

رابط دائم: