رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الطريق إلى المستقبل

لكل الشعوب بل لكل الأمم خريطة للمستقبل ليست بالضرورة محددة الملامح تمامًا ولكنها تحوى على الأقل تصورًا شاملًا ورؤية بعيدة لما تريده المجتمعات البشرية فى بقعة معينة، وهى تتشكل نتيجة حلم بعيد يتأسس على غايات وأهداف ترتبط بتاريخ تلك الجماعات وتفتح أبواب الأمل نحو مستقبلها، لا توجد دولة تعيش يومًا بيوم ولا شعب لا يرى غده أو يعمل لمستقبله لذلك فإن دراسة المستقبليات هى واحدة من أهم فروع المعرفة لأنها تفتح الآفاق نحو ما هو قادم، أقول ذلك وأنا أدرك أننا أمة ماضوية تلوك زمانها الغابر وتتغنى بأمجادها القديمة، ولا توجد دولة على الأرض لا يعتريها القلق ولا يساورها الشك ولعلى أفسر جزءًا مما نسعى للتفكير فيه:

أولًا:إن ثراء لغتنا العربية بمفرداتها ومحسناتها البديعية وعباراتها الفخمة يكون أحيانًا بمنزلة قيد على حرية التفكير ووضوح التعبير فنحن نتغنى بالأشعار والأذكار ونشيد بأبطالنا فى الليل والنهار وكأننا لا ندرك أن مفاتيح المستقبل هى فى الحاضر وأن ما مضى قد انتهى ولكنه يبقى رصيدًا للمعرفة ودافعًا للتطور، ونحن نعيب على أنفسنا أننا نتذكر الماضى أكثر مما نفكر فى المستقبل ولا أكاد أعرف أمة من ذوات الحضارات القديمة لديها ذلك الشغف بماضيها على حساب حاضرها ومستقبلها مثلما نحن العرب، إذ نتغنى بديوان الحماسة ونعيش فى إطار أمجاد يا عرب أمجاد! وبالمناسبة فإنه لا بأس من ذلك فى حدود ولكن عندما تطغى تلك الأفكار والمشاعر على رؤية المستقبل فإن الأمر يختلف.

ثانيًا: لقد جاء عام 2020، بمتغيرات لم تكن فى الحسبان فقد حمل معه وباءً عالميًا تغيرت به ملامح الحياة وأساليب المستقبل ولم نعد فى حاجة إلى تأكيد سرعة إيقاع التطور والإحساس العام بالخطر المشترك والرغبة الأكيدة فى تحصين البشرية قدر الإمكان من المخاطر المحيطة وما أكثرها وربما أيضًا الأوبئة القادمة التى لا نعرفها، وعندما ضرب وباء الكورونا العالم حيث أصاب الملايين فى كل مكان فإن إحساسًا عميقًا بالخوف على مستقبل الإنسان فوق الأرض قد بدأ يرتاد كثيرًا من العقول الذين يظنون أن فكر المؤامرة يتجدد وأننا نعيش فى عالم تحكمه قوى متحالفة فى الخفاء تسعى إلى السيطرة الكاملة على الإنسان وحياته ومستقبله وهى على كل حال مخاوف مبررة، فلقد كانت مفاجأة كورونا أكبر من أن يستوعبها التفكير اليومى وكنا نظن أن عصر الأوبئة قد ولى وأن المجتمع الدولى قد أصبح نظيفًا نسبيًا بحكم تطور الطب وتقدم صناعة الدواء وشيوع التطعيمات لكل ما هو منظور من أمراض وأوبئة.

ثالثًا: يبدو أنه لا مناص من الاعتراف الكامل بنظرية «وحدة المعرفة» أى أن كل ما نعرف يرتبط بغيره كما أنه يفتح الباب أمام ما لا نعرف فكلما ازداد الإنسان علمًا اكتشف أنه أكثر جهلًا وهذه نقطة مهمة تعطى الإحساس بأن التقدم العلمى وجهود البحث الأكاديمى والدراسات المتطورة فى العلوم البحتة والتطبيقية هى أدوات عصرية تدفعنا إلى الأمام ولن تتقدم أمة لا تهتم بالبحث العلمى ولن تنهض دولة تتجاهل أهمية التعليم باعتباره بوابة العصر نحو المستقبل، إننى أضم صوتى إلى كل أولئك الذين نادوا بضرورة التضامن البشرى فى البحث العلمى والتفكير الواعى فى مستقبل الإنسانية التى باتت معرضة للخطر فى العقود الأخيرة.

رابعًا: إن الصراعات الإقليمية التى تفاقمت فى الفترة الأخيرة وتأكد للجميع أنها ناجمة عن الرغبة فى السيطرة من جانب إيران فى منطقة الخليج والمشرق العربى وتركيا فى شرق المتوسط والسواحل الليبية مع أطماع تاريخية مكبوتة تصور لقادتها أن التاريخ قد توقف عند آل عثمان، كما أن إثيوبيا على الطرف الجنوبى الشرقى من الوطن العربى تقوم بتصرفات استفزازية وتعبث بمجرى النيل بتنسيق واضح مع الدولة العبرية التى لن تكف أبدًا عن محاولة إضعاف الدول العربية خصوصًا مصر بحجم سكانها وضخامة مواردها وتنوع مصادر الدخل فيها، ولقد لاحظنا فى الشهور الأخيرة أن تنسيقًا واضحًا يبدو بين أطراف «الكماشة» التى تحاول تطويق الأمة العربية وتمزيق أواصر الصلة بينها مع حرب شعواء على مفهوم الدولة الوطنية وهى ركيزة القاعدة ومنطلق البقاء.

خامسًا: إننا نتطلع إلى يوم تنتشر فيه الجامعات المتقدمة فى ربوع الوطن العربى وتعلو أصوات البحث العلمى على غيرها من الشعارات المرحلية والعبارات الرنانة، إننا نريد إنتاجًا فكريًا وزخمًا علميًا يدفعنا نحو ما هو أفضل، فليس من المتصور أن نظل عالة على التكنولوجيا الغربية أو حتى الآسيوية! وإذا كنا نرى أن التكنولوجيا هى عملية توظيف التعليم فى خدمة الصناعة فإننا يجب أن نسعى بكل جهد إلى توطين التكنولوجيا فى بلادنا، وألا نكتفى بأن نكون مستوردين لها مستهلكين لنتائجها معتمدين عليها، وما زلنا نكرر أن الاستقلال الحقيقى هو أن تقوم بضمان توفير غذائك وأن تصنع كل ما تحتاجه بما فى ذلك صناعة السلاح، وأنا أعرف أنها آمال واسعة ولكننى أردد مع الصينيين قولتهم الشهيرة .. إن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.

يبدو واضحًا من الملاحظات السابقة أن الطريق إلى المستقبل ليس مُعَبدًا أو مفروشًا بالورد كما أنه لا يتحدد بالأمنيات الطيبة والأحلام الوردية ولكنه يحتاج على حد تعبير «ونستون تشرشل» إلى الدم والعرق والدموع.


لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى

رابط دائم: