رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تفسير الواقع الأمريكى

في عام 2012 نشر جير لندستاد مدير معهد نوبل النرويجي بأوسلو كتابا بعنوان «صعود وانحدار الإمبراطورية الأمريكية»،وخلاصته أن أمريكا صارت القوة العظمي في العالم عقب الحرب العالمية الثانية 1945، وأصبحت بعدها القوة الاقتصادية والعسكرية الأولي،غير أنها الآن تعاني الانحدار الاقتصادي والعسكري وأن ديونها في ازدياد، وأن الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان أصبحت متحدة لنفوذها.

السؤال الملح: هل توجد شواهد تاريخية وعلمية تدعم هذا، الرأي، وهل أمريكا أصبحت تركب منحني الانحدار والاضمحلال الذي ركبه الذين من قبلها في التاريخ كله ممن سادوا العالم ودانت لهم الدنيا؟.

الإجابة التاريخية عند ابن خلدون في مقدمته حيث يقول: «عوارض الهرم تحدث للدولة وكلها أمور طبيعية لها. وإذا كان الهرم طبيعيا في الدولة، كان حدوثه بمثابة حدوث الأمور الطبيعية كما يحدث الهرم في المزاج الحيواني». الهرم الذي يقصده ابن خلدون هو الاضمحلال الذي يصيب منظومة الدولة والذي لا يمكن إيقافه،وهو الفساد الذي تكلم عنه الفلاسفة من قبله، وهو الإنتروبيا أو درجة العشوأة أو الفوضي التي صاغها رودلف كلوزياس الألماني عام 1865.هي خاصية من خواص كل منظومة وهي دائما في ازدياد وتسير في اتجاه واحد لا يمكن عكسه والتحكم فيه. لو أننا حاولنا تطبيق ذلك علي مايحدث في أمريكا نجد أنها فجأة تعاني غليانا وأنها تئن تحت وطء فوضي عارمة تنتج من مؤثرات خارجية وأخري داخلية. الخارجية مثل روسيا التي أثبتت التحقيقات تدخلها في انتخابات 2016،وأنها ساعدت علي انتخاب ترامب ليصبح رئيسا،وما تلا ذلك من تحقيقات أدت الي محاكمته. إضافة الي فوضي نتيجة وباء كورونا الذي يكاد يعصف بالاقتصاد الأمريكي ويخلف وراءه بطالة وخرابا،وفوضي داخلية ناجمة عن صراع عنصري متجذر أشعلته جريمة قتل بشعة لجورج فلويد الأسود,أدي الي نشوب مظاهرات عارمة تشل أمريكا أكثر من شلل الوباء.

أمريكا أيضا بها مشكلات إضافية خاصة بها. مثلا يوجد مع سكانها المدنيين 393 مليون قطعة سلاح طبقا لآخر بيانات. هذه لوحدها كفيلة لنشوب حرب أهلية حتمية. السبب في ذلك أن الإضافة الثانية للدستور الأمريكي تسمح باقتناء وحمل السلاح. بتاريخ 30 أبريل الماضي شاهد العالم كله أعضاء ميليشيا متطرفة تحمل السلاح وتهتف ضد قرار مد الحظر بمبني ولاية ميتشجان في أثناء انعقاد اجتماع مجلس نواب الولاية وتهتف ضد حاكمة الولاية. أخطر ما في البنيان الأمريكي هو وجود قاعدة كبيرة ذات فكر يميني متطرف ومؤمنة بالاستعلاء الأبيض ولا ترضي عنه بديلا،وهو ما تغذيه ثقافة خفية وعلنية أهمها رواية مشهورة علي شكل يوميات خيالية تصف أمريكا الحالية بأن المؤسسة الحاكمة بها تهدف الي جمع كل الأسلحة من المواطنين الأمريكيين بهدف القضاء عليها. الرواية اسمها «يوميات تيرنر» كانت تباع سرا منذ 1978،ثم نشرت علنا عام 1996، لتصبح كأنها كتاب مقدس لمعتنقي الاستعلاء الأبيض،علي حد وصف الإف.بي.آي لها. كتبها عالم فيزياء ملحد اسمه وليام لوثر بيرس زعيم النازيين الجدد. الرواية عبارة عن يوميات القائد إيرل تيرنر الذي كان مهندسا في بداية حياته. وصفته مقدمة الكتاب بأن كفاحه وتضحياته هي التي أنقذت الجنس الأبيض. تصف اليوميات أمريكا الحالية بأنها مجتمع متدهورنتيجة عدم قدرات مواطنيها البيض علي السيادة، وأنه من خلال مواقف تيرنر الوطنية تم استعادة واسترجاع أمريكا من حكومة يسودها اليهود والسود والأقليات الأخري. أسهمت الرواية في انتشار جرائم الكراهية والعنصرية في امريكا وأوروبا وتسببت في مقتل المئات من الضحايا والعشرات من السرقات منذ نشرها.تتحدث الرواية عن سبع سنوات مظلمة (1993 ــ 2000)،وهي السنوات الانتقالية من قرن الي قرن آخر. تنتهي اليوميات عام 2099 بانتصار الجنس الآري ليبدأ بعدها عصر جديد يسود فيه الجنس الأبيض الذي سينتزع السيادة المستحقة له. تنتقد الرواية الأمريكيين الحاليين وتتهمهم بالخنوع،وأن الشيء المهم للإنسان الأمريكي العادي ليس حريته أو شرفه أو مستقبل عنصره،إنما هو ما يتقاضاه من مال من عمله،وأنه يتذمر عندما تجبره المنظومة علي أخذ أولاده ونقلهم لمدارس السود،لكن المنظومة تسمح له بالاحتفاظ بسيارته الفارهة وقاربه السريع. من أجل هذا فهو ليس لديه القدرة علي القتال. إنه يشكو اليوم عندما يغتصب السود نساءه. لقد أصبح المواطن الأمريكي العادي مسخا مصنعا بواسطة وسائل الإعلام التي شكلته وغسلت مخه. هي الحقيقة المرة عن الإنسان الأمريكي وما صار إليه فهو لا يلوي علي شيء «طالما بطنه مملوء» كما تقول الرواية.

حققت الرواية شهرة واسعة عقب الحادث الإرهابي المشهور في ولاية أوكلاهوما والذي نفذه تيموثي ماكفيي في 19 أبريل 1995،والذي وجدت معه تلك الرواية، وأن التحقيقات التي أجريت معه أثبتت أن قراءتها هي التي دفعته لارتكاب الحادث الإرهابي. حققت الرواية بعد ذلك الحادث مبيعات مرتفعة قدرت 200 ألف نسخة في شهور قليلة.

العجيب في الأمر أن الرئيس ترامب في مسعاه لينتخب مرة أخري أصبح يغذي ذلك الشقاق.في عطلته الأسبوعية بولاية فلوريدا، فى أثناء لعبه الجولف في يوم الأحد الموافق 27 يونيو، أعاد الرئيس نشر تغريدة شكر فيها أنصاره من أهل فلوريدا ووصفهم بالعظمة،وأضاف أن اليسارالديمقراطي سيخسر الانتخابات المقبلة وأنه سيهزم المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن، وصحب هذه التغريدة بفيديو قديم غرد به منذ سنة،يظهر فيه أحد مناصريه في ملعب جولف راكبا سيارة ترفع شعار انتخاب ترامب: أمريكا أولا،وملوحا بيديه ومرددا بصوت عال: القوة البيضاء، وهي علامة الاستعلاء الأبيض واليمين المتطرف. وظهر في نفس الفيديو أيضا واحد من أنصاره في مدينة سانت لويس يهدد المتظاهرين ببندقية وبجواره زوجته تحمل مسدسا، فى أثناء مرورهم بجوار منزله. ورغم أن الرئيس ترامب مسح الفيديو والتغريدة فإن أحدا لم ينس ذلك الأمر الغريب الذي يزيد نار العنصرية اشتعالا.


لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة

رابط دائم: