بح صوتنا من المطالبة بـ«تخريد» السيارات القديمة التى مر على إنتاجها 20 أو 25 عاما، فقد ضاقت شوارعنا بالجديد والقديم معا، ولكن فى الوقت نفسه، يجب أن يتم ذلك وفقا لخطة مدروسة و«محترمة»، لا يشعر معها المواطن الذى يملك سيارة قديمة أنه يتعرض لعملية «ابتزاز» من الدولة، أو أنه سيكون ضحية لصفقة تزيد الأعباء عليه.
بح صوتنا أيضا من المطالبة بتعميم استخدام الغاز فى أنشطتنا الاقتصادية واليومية، لأنه الثروة الأساسية والمستقبلية التى نملكها، وهو الأوفر والأرخص والأنظف، بعكس المواد البترولية التي نستوردها، ولكن فى الوقت نفسه، يجب أن يكون ذلك فى إطار مبادرة تحترم عقليات المواطنين، وتراعى أمزجتهم ومخاوفهم.
بشكل عام، تعجبنى الدولة المصرية عندما تظهر بموقف الرجل «القوى» القادر على فرض قوانينه وقراراته على الجميع، تحقيقا للمصلحة العامة، حتى وإن لم يكن هذا مرضيا لبعض الفئات.
ولا تعجبنى الدولة التى «تدلع» و«طبطب»، وتكتفى بالمشاهدة والتأجيل والتسويف وتلبية رغبات الشارع، وبعد ذلك ندفع الثمن باهظا.
ولكن، فى حقيقة الأمر، ما نحتاجه فى مبادرتى «التخريد»، والتحول للغاز، هو الإقناع والتسويق الجيد، والحديث بلغة ميسرة تجمع بين الاقتصاد والقانون والمنطق والبيئة والصحة، فى وقت واحد، حتى ينفذ المواطن ما هو مطلوب منه بغير إجبار أو تحايل، وحتى لا تتكرر سلبيات مبادرات سابقة مثل مشروع «التاكسى الأبيض».
التخريد تحديدا أصبح حتميا، فلا توجد دولة على وجه الأرض تستطيع استيعاب هذا الكم من السيارات الجديدة والقديمة معا.
إذا أردت أن تعرف سبب الزحام والاختناقات المرورية فى شوارعنا، إذهب إلى أى وحدة مرور، واحسب بنفسك، كم سيارة جديدة يتم الترخيص لها يوميا، وكم سيارة قديمة يتم تجديد ترخيصها كل يوم أيضا، ثم احسب بعدها، كم سيارة يتم ترخيصها أو التجديد لها كل أسبوع، وكل شهر، وكل عام.
وقتها ستعرف السبب، لأن هذا العدد الذى يتم ترخيصه، يجب أن تقابله عملية «إبدال» للقديم، أيا كانت حالته، وبعيدا عن العواطف و«المسكنة»، ووفقا لقانون أو نظام تطبقه الدولة، مثل أى دولة، أما أن يتم الترخيص للجديد والقديم معا، فهذا معناه أننا «بنهرج»!
ويكفى القول إنه يوجد فى مصر الآن 11 مليون سيارة تقريبا، وفقا لإحصائيات عام 2020، من بينها 5 ملايين سيارة ملاكى، وهذا معناه أننا لو سرنا بهذا المعدل دون تخريد للقديم، سيظل العدد يزداد، إلى أن نفاجأ ذات يوم بأن الطرق والأنفاق الجديدة التى كلفت الدولة مليارات الدولارات تكدست هى الأخرى، وتحولت إلى جراجات مفتوحة.
أما «التغييز» - إذا افترضنا هذا المصطلح مقبولا - فقد أثار كثيرا من البلبلة، سواء بين المواطنين، أو فى قطاع السيارات تحديدا، والسبب أن بعض الصحف والمواقع نقلت كلام الرئيس فى «الأسمرات 3» بصورة غير دقيقة أشعرتنا بأن هناك قرارا صدر بالفعل بوقف ترخيص سيارات البنزين، فوجدنا من تصور أن عليه الآن تحويل سيارته الجديدة إلى الغاز الطبيعى، وهناك من أوشك على تسلم سيارة جديدة ولم يعد يعرف كيف يرخصها، وهناك من قال إن تحويل سيارته للغاز يخرجها من «الضمان»، وهناك من اعترض على كفاءة الغاز نفسه من الناحية التقنية، وهناك من حذر من أن ماركات معينة غير قابلة أصلا للتحويل للغاز، وهناك من قال إنه يرفض تحويل سيارته الألمانى الفاخرة إلى الغاز، لأنها ستتلف!
طبعا كلام الرئيس معناه أن الموضوع «قادم»، وأن من حق الدولة أن تتخذ قرارا فى هذا الشأن مستقبلا، فقد قال بالحرف الواحد: «سنذكر أنه اعتبارا من تاريخ معين لن يتم ترخيص أى سيارات بنزين جديدة إلا بالغاز»، دون أن يحدد الرئيس تاريخا لذلك، وهذا ما أكدته وزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع لاحقا، فهناك خطة مرحلية، وتدريجية، ولن تبدأ الآن، وسيكون لها جدول، وستراعى تخوفات المواطنين والإشكاليات الفنية فى بعض السيارات، وهذه بداية صحيحة، نأمل أن تصحبها وتتبعها خطوات تطمئن الناس بأن الأمر صفقة مفيدة للطرفين، وتفهمهم أن من واجب الدولة أيضا الحفاظ على مواردها.
إذن، أهلا بالتخريد، فكفانا فوضى وسيارات متهالكة في شوارعنا، و«عقبال» فوضى السائقين، ومرحبا بـ«التغييز»، فلم يعد مقبولا أن تكون هناك 720 ألف سيارة فقط تعمل بالغاز فى «بلد الغاز»، الذي يستورد بترولا بنصف مليار دولار شهريا، أى أكثر مما يستورد من القمح ذات نفسه!
لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل رابط دائم: