إثيوبيا الآن فى «مأزق»!
قضية سد النهضة انتقلت إلى مجلس الأمن. لم تعد قضية المياه مسألة إفريقية فقط كما تريد أديس أبابا. مجرد نقل قضية «سد النهضة» إلى مجلس الأمن انتصار كبير للدبلوماسية المصرية.
قبل الجلسة، كان المطلوب أن نكتفى بــ«خنق» الملف داخل أروقة الاتحاد الإفريقى، فى تفسير مجحف لمبدأ «حلول إفريقية للمشكلات الإفريقية»، حتى تماطل إثيوبيا وتتلاعب كما تشاء، ثم تسارع ببدء ملء السد من جانبها، وسط تصفيق وتهليل أبناء القارة الإفريقية، وعلى مصر الرضوخ للأمر الواقع، وتدبير أمورها من المياه!
وضح هذا تماما هذا فى القمة الإفريقية المصغرة التى شارك فيها الرئيس السيسى يوم الجمعة الماضى، إيمانا منه بأهمية العمل الإفريقى المشترك، ولكن القمة انتهت من هنا، وبعد أن أعلنت استئناف المفاوضات، ومنح مهلة أسبوعين للتوصل لاتفاق نهائى، مع تجنب التصرفات الأحادية، خرج علينا مكتب رئيس الوزراء الإثيوبى ببيان «مستفز» أكد فى فقرته الثالثة أن بلاده ستبدأ ملء خزان السد فى غضون أسبوعين!
هذا يفسر لماذا كان مندوب إثيوبيا فى مجلس الأمن تاى أتسكى سيلاسى متضررا بشدة من طرح الموضوع فى مجلس الأمن، ولماذا كان يقاتل من أجل «أفرقة» المفاوضات، وهذا يفسر أيضا لماذا كان مندوب جنوب إفريقيا مصرا على تكرار أن ملف سد النهضة فى «عهدة» الاتحاد الإفريقى، وحده.
طبعا هذا التوجه لم «يبلعه» مجلس الأمن، بل كان هجوم إثيوبيا على دور وصلاحيات المجلس خلال الجلسة غير موفق على الإطلاق، ولا أيضا حديثها «المتغطرس» عن ملكية إثيوبيا لمياه النيل، وبدا وكأن مندوب إثيوبيا فى «سنة أولى دبلوماسية»، ولا يعرف الفارق بين اختصاصات مجلس الأمن، وغيره من التكتلات الإقليمية، ولا يعرف الفارق بين النهر المحلى والنهر الدولى.
وكان أداء أعضاء المجلس متباينا، فمن بين المشاركين كان هناك «إللى مش مذاكر» الموضوع بشكل جيد، بينما أظهر مندوبو الدول الخمس الكبرى خبرة واطلاعا جيدين على الملف، وتحديدا مندوبة الولايات المتحدة كيلى كرافت التى كانت حكومتها شاهدة عيان على التصرفات الإثيوبية فى مفاوضات واشنطن، ولهذا شددت فى كلمتها على دعم المفاوضات التى تجرى فى كنف الاتحاد الإفريقى، مع الامتناع عن أى تصرفات أحادية لحين التوصل لاتفاق، وهو نفس ما أكدته عليه فرنسا وبريطانيا، وكان من أفضل من تحدثوا مندوبا إندونيسيا والدومينيكان.
أما سامح شكرى، «عملاق» الدبلوماسية المصرية، فكان أداؤه متميزا، واستحق التقدير على كلمته، وكذلك على مداخلته للرد على الاتهامات الإثيوبية المغلوطة لمصر، واستحق فريقه التحية أيضا، سواء فى مقر الخارجية، أو فى الأمم المتحدة، أو فى العواصم العالمية، بالإعداد الجيد لهذه الجلسة، وبشرح موقف مصر من القضية، وتوضيح أهمية اضطلاع مجلس الأمن بمسئولياته فى حفظ السلم والأمن الدوليين، وكذلك التشديد على نقطة «تجنب التصرفات الأحادية» لحين التوصل إلى اتفاق وحديثه عن الهجرة غير المشروعة كان موفقا.
وبهذه المناسبة، يستحق التحية أيضا من اختار وضع تمثال رأس نفرتيتى «حاكمة النيل» فى خلفية مكتب وزير الخارجية، حيث بدا التمثال معبرا بشدة عن الجملة الأهم التى قالها الوزير فى الجلسة، والتى أعتقد بأن الكل فهمها إلا مندوب إثيوبيا، وهى أن «الدفاع عن البقاء ليس محض اختيار، إنما هو مسألة حتمية تفرضها طبيعة البشر».
إثيوبيا فى مأزق، وليست مصر، وبغض النظر عن موقف مجلس الأمن، فما يعنينا هنا أن القضية فى عهدته، وتصرفات إثيوبيا القريبة باتت تحت سمعه وبصره، ومواقفها «مكشوفة» أمام المجتمع الدولى.
إثيوبيا الآن مضطرة لاستكمال بناء السد لتهدئة الداخل، ومضطرة فى الوقت نفسه للتوصل إلى اتفاق نهائى فى غضون أسبوعين، وتدرك أيضا أنها لن تستطيع التلاعب بأى اتفاق مستقبلى، ولعلها تدرك الآن أيضا أنها لا تستطيع ملء السد بمفردها.
كما تدرك أنها لم تعد تستطيع الاختباء تحت «إبط» الاتحاد الإفريقى.
أما مصر، فقالت كلمتها بوضوح، ولن يلومها أحد على أى خطوة تقدم عليها للدفاع عن أمنها القومى، بل وعن بقائها.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: