لماذا «بلطج» حرس أردوغان فى القاهرة .. وماذا كان وراء زيارة نجاد لـ«الحسين»؟
مرسى لم يكن مهيأ ليكون رئيساً لمصر»..
.. هذه هى شهادة هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والمرشحة لرئاسة الولايات المتحدة سابقا. فى حديث شهير لكلينتون بمجلة «أتلانتيك» الأمريكية عام 2014 قالت إن «معزول» مصر طلب منها ألا تقلق على من سماهم بـ»الجهاديين» فى سيناء، لأنه «مع وجود حكومة من الإخوان المسلمين فى الحكم، لن يشعر الجهاديون بالحاجة لمواصلة حملتهم».
وعلقت كلينتون على ذلك قائلة: «أرى أن مرسى كان ساذجا، فقد كان يعتقد بأنه، مع شرعية حكومة إسلامية منتخبة، سيرى المجاهدون، وأى شخص آخر من الإخوان المسلمين، أنهم سيكونون جزءا من العملية السياسية».
ليس هذا فحسب، بل قالت إيضا: «عندما أخبرت مرسى بأننا نجمع معلومات استخباراتية كثيرة عن الجماعات الجهادية التى تجد ملاذات آمنة داخل سيناء، وأن هذا سيشكل تهديدا، ليس لإسرائيل فقط، وإنما لمصر أيضا، تجاهل مرسى هذا الأمر، وبعد ذلك بوقت قصير، قتل الجهاديون مجموعة كبيرة من الجنود المصريين».
وتابعت: «الإخوان كانت لديهم فرصة استثنائية للتدليل على إمكانية أن تتحمل حركة إسلامية مسئولية الحكم، لكنهم كانوا غير مستعدين، بل كانوا عاجزين عن تحقيق الانتقال من حركة إلى حكومة، أما مرسى نفسه، فلم يكن مهيأ ليكون رئيسا لمصر، فلم تكن لديه خبرة سياسية، كان مهندسا.
هذا هو رأى كلينتون، والتى كانت، ولا تزال، هى وحزبها الديمقراطي، ومن والاهما من وسائل إعلام مشبوهة، من أشد الداعمين والمتحمسين لجماعة الإخوان، بل وما زالوا يلحون حتى يومنا هذا على وصف مرسى بـ»أول رئيس ديمقراطى منتخب» فى مصر، رغم علمهم جميعا أنه جاء بانتخابات رئاسية لم يفز فيها أصلا، وشابها ما عايشه المصريون أنفسهم من تهديدات وعنف ورشاوى وتلاعبات.
لم يكن هذا هو رأى كلينتون وحدها، فهناك فى الخارجية الأمريكية من اكتشف مبكرا «كذب» التنظيم القابض على الحكم فى مصر، لدرجة أن الخارجية الأمريكية وجهت رسالة شهيرة إلى حزب «الحرية والعدالة» الحاكم فى مصر وقتها، مفادها «إننا نقرأ ما تكتبون بالعربية أيضا، ونفهمه»، فى إشارة إلى تناقض ما كان ينطق به قادة الجماعة فى العلن أمام المجتمع الدولي، وتحديدا عن العلاقات بالغرب وإسرائيل، وما كانت تكتبه منشوراتهم وبياناتهم.
والحق أن سياسة مرسى الخارجية فى عام حكمه كانت «كارثية»، ليست فقط لأنها كانت لا علاقة لها بمن يتولى منصب الرئاسة وقتها، بقدر ما كانت مجرد إملاءات تأتى إليه جاهزة من مكتب الإرشاد بالمقطم، بعد مراجعتها من الدوحة وأنقرة، وهو ما جعل نظام الإخوان عاجزا وقتها عن إقامة أى علاقات طبيعية مع أى دولة بخلاف هاتين الدولتين، بدليل أن هذا كان رأى الأمريكيين فيه، والأوروبيين أيضا بطبيعة الحال، فى حين وصلت علاقات مصر مع جيرانها العرب والأفارقة إلى ما يشبه القطيعة الكاملة فى تلك الفترة.
ووسط هذا التردى الرهيب، والذى أضر بسمعة مصر عربيا وإقليميا ودوليا، كانت للمعزول مرسى «لمسات» شخصية أخري، ومشاهد فجة، زادت الموقف سوءا، فيما يتعلق بصورة مصر ورئيسها، ونظامها الجديد.
لن ينسى المصريون تلك الليلة الظلماء التى رفع فيها المعزول أعلام مصر وسوريا وهو يهرول فى صالة استاد القاهرة لنصرة سوريا، وبجانبه مجموعة من عتاة الإرهاب والإجرام، ويعلن بجرأة شديدة تحولا جذريا فى سياسة مصر تجاه الأزمة السورية، تصل لدرجة المشاركة عسكريا فى النزاع، وهو ما لم يحدث، بطبيعة الحال.
لن ينسى المصريون الإهانة التى تعرضت لها بلادهم فى أثناء زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان للقاهرة فى سبتمبر 2011، عندما «عربد» حرس أردوغان الرئاسى كعادتهم و»بلطجوا» على الأرض المصرية، وبخاصة فى مطار القاهرة، وفى مقر إقامة أردوغان، وأساءوا إلى كثير من الوزراء والمسئولين المصريين وقتها، قبل أن يحاول أردوغان نفسه توجيه الذين استولوا على حكم مصر علانية لما يجب أن يفعلوه وما لا يجب أن يفعلوه من أجل السيطرة على مفاصل الدولة المصرية، وبخاصة القضاء.
ووقتها احتفى خبراء وأساتذة علوم سياسية منتمون لجماعة الإخوان معلنون بأن الزيارة «تدشن تحالفا مصريا تركيا يعيد رسم خريطة التوازنات والتحالفات فى المنطقة»، رغم اعترافهم بأن أردوغان وقتها أعلن عن عزمه رفع نسبة التعاون الاقتصادى المشترك بين البلدين إلى 10 ملايين دولار بالتمام والكمال (!!) مع تقديم تركيا دفعة معونات مالية جديدة لمصر فى يناير 2012 بقيمة 500 مليون جنيه، أيضا بالتمام والكمال!!
ولن ينسى المصريون أيضا الزيارة المريبة التى قام به «المعزول» لطهران فى سبتمبر 2012، لحضور قمة عدم الانحياز، والتى تجاهل بها تخليد الإيرانيين لاسم قاتل الرئيس الشهيد أنور السادات، بإصرارهم على وجود شارع فى طهران باسم «خالد الإسلامبولي» حتى الآن، حيث كانت الزيارة هدفها إطلاق مبادرة تطبيع بين مصر وإيران تضرب العلاقات المصرية الخليجية فى مقتل، والأسوأ من ذلك أنه سعى خلال الزيارة إلى الظهور فى صورة زعيم العالم «السني»، والناطق باسمه، سعيا إلى شق العالم الإسلامى نفسه، ونذكر مقدمة خطابه هناك الذى هلل وكبر أتباعه وقتها له، عندما ترحم على الخلفاء الراشدين، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، بالإسم.
كما لا ينسى المصريون الخطر الحقيقى الذى شعروا به عندما وجدوا الرئيس الإيرانى السابق محمود أحمدى نجاد يتجول بينهم بحرية فى شوارع القاهرة فى فبراير 2013، ويزور المشهد الحسيني، وسط لافتات الترحيب من جانب أعضاء حزب «الحرية والعدالة»، ثم يتعهد بعدها لرئيس مصر دعمه بملايين السائحين الشيعة لإنعاش السياحة المصرية، وبعدها، تحدثت معلومات عن أن العرض الإيرانى لـ»شراء» مصر كان أكثر سخاء مما يتصور أحد، إذ عرضت إيران تقديم 30 مليار دولار لها على عدة سنوات، من بينها خمسة مليارات من الدولارات فى فترة زمنية قصيرة للغاية، مع إرسال خمسة ملايين سائح إيرانى لمصر سنويا.
وكانت محاولة التقارب الإخوانى مع إيران نذير شؤم على نظام المعزول، فقد تسبب فى قطع آخر شعرة كانت تربط وقتها بين مصر ودول الخليج العربية التى تسعى طهران للتوسع والتمدد على حساب سيادتها واستقرارها وأمنها، كما كانت سببا فى تخلى السلفيين عن جماعة الإخوان تدريجيا، حتى جاء موقفهم المعلن على الأقل قبل ثورة 30 يونيو 2013.
أما «أم الكوارث»، فكانت فى سياسات مرسى الإفريقية، والتى لم تقتصر على كونها شهدت تراجعا وانهيارا لم يحدث حتى فى أواخر سنوات حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بل وصلت إلى درجة قد لا تفلح فى وصفها أى من مصطلحات العلوم السياسية، بدليل ملف سد النهضة.
وبالتأكيد، فقد كانت أحداث 25 يناير 2011 سببا مباشرا وصريحا فى تحول هذا الكابوس إلى حقيقة على أرض الواقع، والتاريخ لا يكذب، فقد بدأ الإعلان عن المشروع رسميا من جانب إثيوبيا فى 30 مارس 2011، أى فى أوج غياب الدولة المصرية وانشغالها بمليونيات الانفلات والفوضي، وبعدها بيوم واحد، تم الإعلان عن منح عقد قيمته 4.8 مليار دولار للشركة المنفذة للمشروع، ثم تم وضع حجر الأساس للمشروع بحضور رئيس الوزراء الإثيوبى آنذاك ميليس زيناوى فى 2 أبريل من العام نفسه، وبمباركة ما يسمى بـ»وفد الدبلوماسية الشعبية» إلى أديس أبابا وقتها. ولكن فى 27 مايو 2013 تحديدا، أى فى فترة وجود الإخوان فى الحكم، أعلنت إثيوبيا اعتزامها البدء فى تحويل مجرى النيل الأزرق، أحد روافد نهر النيل، إيذانا ببدء المرحلة الإنشائية الرئيسية من السد، إلى أن وقعت الطامة الكبرى بالمؤتمر «السيرك» الذى عقد بالاتحادية فى 3 يونيو 2013 بحضور عدد من حلفاء مرسى وقيادات الجماعة، والذى تحدثوا فيه دون أن يدركوا أنهم على الهواء مباشرة، عن خطط لضرب السد أو إغراقه أو تدميره. وبعيدا عن تدهور العلاقات شرقا وغربا، والتحالف مع أعداء حقيقيين لمصر، كان منصب رئيس مصر صغيرا ومهانا أمام العالم أجمع، بصورة لم تحدث من قبل فى تاريخها القديم والحديث. فمن منا لم يشاهد نظرة المعزول فى الساعة وكأنه يشكو التأخير و»العطلة»، وهو يقف بجانب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فى المؤتمر الصحفي؟
من لم يشاهده فى صورة مزرية وهو يتلاعب بأنفه بصورة مقززة وهو يجلس فى أحد المنتديات بجانب الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون.
من لم يشاهده وهو يتخبط فى أداء البروتوكول الرئاسى خلال لقائه برئيسة البرازيل السابقة ديلما روسيف، التى كانت من أشد المعجبين به.
من فى العالم لم يشاهد اللقطة المخجلة التى ظهر عليها فى أثناء جلوسه بجانب رئيسة وزراء أستراليا السابقة جوليا جيلارد؟
.. ونحمد الله أنها كانت أياما وانتهت، وحقبة سوداء من حقب السياسة الخارجية المصرية لم تتكرر، ولن تعود أبدا.
رابط دائم: