لا داعى لأن نخدع أنفسنا أكثر من ذلك.
إثيوبيا دولة إفريقية صديقة، نعم، ولكنها الآن دولة معتدية متآمرة تنتهك القانون، تكشف كل يوم عن وجهها كطرف أصيل فى «مربع» الشر الذى يضم تركيا وقطر وإسرائيل وإيران، طالما اختارت طريق الاستفزاز واللف والدوران، وسعت بإصرار لـ«تعطيش» 100 مليون مصري، و«سرقة» حقوق نهر دولى تحكم استخدام مياهه اتفاقيات دولية وتاريخية، لتحقيق تنمية مزعومة ووهمية، لن تحدث.
حتى الآن، ما زالت مصر تتبنى الخيار السلمى لحل أزمة السد الإثيوبي، ولكن «للصبر حدود»، وللمجاملات أيضا حدود، فلا نهضة على حساب الآخرين، ولا حديث عن حق تنمية على حساب حق الحياة، يعنى باختصار، فلتذهب النهضة والتنمية إلى الجحيم، طالما أن بناء سد بالتوافق وبالأصول يبدو صعبا لهذه الدرجة على الإثيوبيين!
أحسنت مصر صنعا عندما تقدمت عبر وزارة خارجيتها بمذكرة إلى مجلس الأمن الدولى بشأن ما آلت إليه مفاوضات السد على مسمع ومرأى من المجتمع الدولى بكامله، والإدارة الأمريكية والبنك الدولى بشكل خاص، بعد أن أدلى وزير الخارجية الإثيوبى جيدو أندار جاشيو بتصريحات استفزازية لوكالة «أسوشييتدبرس» الجمعة الماضى ترقى إلى درجة «العدوان الصريح» على دولة أخرى، والتى قال فيها إن بلاده ماضية قدما فى ملء سد النهضة الشهر المقبل، سواء بالاتفاق مع مصر أو دونه.
طبعا مصر ليست من دعاة الحرب، بل هى صانعة سلام، على مر التاريخ، بل هى التى علمت العالم السلام، منذ معاهدة «قادش» عام 1258 قبل الميلاد، وحتى «إعلان القاهرة» حول ليبيا فى يونيو 2020.
ولكن ما يجب أن يكون مفهوما أن خيارات مصر السلمية يجب ألا تكون من جانبها فقط، وليست «أبدية» أيضا، فهناك خيارات أخرى، بدليل مثلا «الخط الأحمر» الذى أعلنه الرئيس السيسى بوضوح أمام العالم كله بشأن ليبيا، بعد أن رفض تحالف «اللصوص» إعلان القاهرة، بل وبدليل حرب أكتوبر 1973 نفسها التى أنهينا بها ضبابية فترة اللاسلم واللاحرب.
ما يجب أن يكون مفهوما أننا لن نظل ندعو للحوار والسلام إلى ما لا نهاية، حتى وإن كنا حتى الآن لا نتحدث إلا عن الخيار السياسي.
فى مجلس الأمن، تستند المذكرة المصرية إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وعنوان هذا الفصل «فى حل المنازعات سلميا»، واستندت تحديدا للمواد 34 و35 و36 منه.
وعلى الرغم من أن مجلس الأمن لم يحدد بعد موقفه من الطلب المصري، فإنه من المرجح أن يكون القرار الذى سيتخذه فى هذا الصدد متسقا مع الحدود الموضحة فى الفصل السادس، إذ يمكنه التدخل بشكل «توفيقي» بين الدول الثلاث، كما يمكنه الضغط سياسيا على إثيوبيا للتراجع عن موقفها المتعنت بشأن القضية، وكل ما نأمله عدم استخدام الفيتو من أى دولة، وأن يكون القرار واضحا حازما لا يحتمل التأويلات، أو المماطلات، أو الدعوة لمفاوضات لا قيمة لها.
ولكن المهم هنا، أن من قرأ فى المذكرة المصرية جيدا عبارة «حفظ السلم والأمن الدوليين»، يدرك أن الفصل السادس قد لا يكون نهاية المطاف، بل قد يصل بنا الأمر إلى «الفصل السابع»، الذى يتمتع بطبيعة إلزامية أكثر من «السادس» فى حالة حدوث تهديد صريح للسلم والأمن الدوليين.
وما جاء فى هذا الفصل «الناري» ينطبق بالفعل، من الآن، على الحالة المصرية الإثيوبية، لأن حرمان دولة بكاملها من المياه جريمة قتل جماعية تفوق فى ضررها بكثير اعتداء دولة على أخرى بالوسائل العسكرية، بل يكفى القول إن مصطلح «تهديد السلم والأمن الدوليين»، الذى تحدثت عنه مصر، هو عنوان الفصل السابع نفسه، وهو «ما يتخذ من الأعمال فى حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان»، ويتناول الفصل فى مواده من 39 إلى 51 حالات تهديد السلم والأمن الدوليين والعدوان على إحدى الدول، وأهمها المادتان 41 و42، واللتان تنصان على العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية على الدولة المعتدية أولا، وعلى استخدام القوة المسلحة ثانيا، وإن كانت تبقى جزئية شائكة، وهى أن مواد الفصل تتحدث عن عدوان «وقع»، لا عن عدوان «سيحدث»، وفقا لنص المادة 39، وهنا يأتى دور الدبلوماسية المصرية العتيدة لتوضيح عدم جواز انتظار العدوان فى حالة السد، لكى يتحمل المجتمع الدولى مسئولياته فى الوقت المناسب، بل وبسرعة، وقبل أى ملء أحادي، ولا يجب أن تكون أى مفاوضات أخرى ستارا لارتكاب «جريمة» يصعب تغييرها، وإلا فجميع الخيارات ستكون مفتوحة، لأن الصبر نفد.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: