ما هى حكاية الإعلام الفرنسى معنا؟
يعني من الممكن أن نتفهم أسباب معاداة وسائل إعلام أمريكية أو بريطانية لمصر، قيادة وحكومة وشعبا.
ولكن، أن تتخذ وسائل الإعلام الرئيسية فى فرنسا مواقف معادية لمصر على طول الخط لا تختلف كثيرا عن مواقف نيويورك تايمز أو رويترز، أو بي.بي.سي.، فهذا غير مبرر، وغير مفهوم، ويطرح الكثير من التساؤلات، حول الجهات أو التوجهات التى تخدمها وكالة الأنباء الفرنسية وفرانس 24 ولوموند.
طبعا هناك اختلافات وتجاذبات بين مصر من جهة، وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى، وهناك أيضا عدم تفهم لما جرى فى مصر بعد 30 يونيو 2013، ولكن هذا غير متوافر فى الحالة المصرية الفرنسية، فلا فرنسا مختلفة معنا، ولا هى غير متفهمة، والعلاقات الثنائية يسودها التفاهم والاحترام، وحتى موضوع استقلالية الإعلام الذى تدعيه بي.بي.سى وأخواتها لا ينطبق بالكامل على حالة الإعلام الفرنسي.
أقول هذا بمناسبة ما لاحظته بشأن ما ينشر فى الإعلام الفرنسى عن مصر.. نفس التقارير السوداوية السلبية، نفس اللهجة العدائية، ونفس الوجوه والأقلام الكارهة لمصر مسيطرة على المشهد.
فى جائحة كورونا مثلا، كان من الممكن أن يكون الوضع الصحى فى كل هذه الدول الكبرى موضع سخرية أو شماتة، فدولة مثل فرنسا فشلت فى توفير خمسة آلاف جهاز تنفس صناعي، ولديها 30 ألف حالة وفاة، وأمريكا وبريطانيا لديهما فضائح، ومع ذلك، ساندت مصر فرنسا وكل شعوب العالم بصدق فى مواجهة هذا الوباء اللعين، فلا شماتة فى الموت، ولا سياسة فى الجائحة. فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة أن الإعلام الفرنسى الآن يقول إن النظام الصحى فى مصر ينهار، ويستقى فى ذلك معلوماته من مصادر مجهولة أو من «نفايات» الإنترنت، كما فعلت صحيفة لوموند مؤخرا، عندما سخرت من أسلوب مواجهة مصر للجائحة، وبشرت بكارثة كبرى، وزعمت فى صفحتها الأولى اعتقال 500 من الجيش الطبى الأبيض لاحتجاجهم على نقص التجهيزات.
هيلين سالون مراسلة لوموند فى القاهرة استقت معلوماتها من باحث فى منظمة اسمها المبادرة المصرية لـ «مش عارف إيه»، أعزنا وأعزكم الله، ومن شخص آخر مجهول أشارت إليه باسم «أحمد»، بحجة أنه يخشى الاعتقال، يعنى نفس الأساليب الرخيصة، التى تتبعها صحف «بير السلم» عندنا، والتى تستقى منها وسائل الإعلام الغربية معلوماتها عن مصر منذ 2011، أى فى المرحلة التى بدأت بـ «كذبة ثروة مبارك» والـ «70 مليار جنيه»، وانتهت بمثال خبر هيلين سالون!
ما أكده لى متابعون جيدون للإعلام الفرنسى أن لوموند العريقة فقدت مصداقيتها منذ 30 يونيو 2013، حيث اتخذت موقفا عدائيا ضد مصر وقيادتها وسياستها، وبات القاريء يشعر أن مراسلتها تكتب من بلد آخر وعن بلد آخر، أو ربما تتوهم قدرتها على إعادة عجلة التاريخ إلى زمن حكم عصابة لفظها المصريون.
لن نتحدث عن الملكية والاستقلالية، بل دعونا في «الموضوعية»، فلو كانت لوموند تتمتع بذرة من هذه الموضوعية، لنشرت ما يكفى من تقارير عن دول أخرى تخطت فيها أعداد المصابين والمتوفين عشرات الآلاف، وانهار نظامها الصحى فعليا، ولكن المسألة تتعلق للأسف بأوامر اللوبى المسيطر على الإعلام الفرنسي، والذى يفرض على لوموند وفرانس 24 والوكالة الفرنسية سياسة تحريرية لا علاقة لها بالدولة الفرنسية ومصالحها، ولا فيها رائحة الاستقلالية، وتتخذ من أسلوب إعلام الجزيرة وقنوات الإخوان البائسة نهجا لها.
طبعا، الإعلام الفرنسى شأنه شأن الإعلام العالمي، لا يستطيع الإجابة عن تساؤلات كبيرة حول مصادر التمويل، فالمحتوى الذى يقدمه يفضح كل شيء، والأمثلة لا تحصى على أن هذه الاستقلالية مجرد ستار، ويعضد ذلك بالطبع كتيبة العاملين المغاربيين الكارهة لمصر.
لن أتحدث عن تفاصيل وكواليس ملكية وسائل إعلام بعينها فى فرنسا، ولكن التاريخ يقول إنه فى عام 2008، كانت هناك صحف وقنوات تليفزيونية على وشك الإفلاس بسبب الأزمة المالية فى أوروبا بشكل عام، وهنا، ظهرت أموال الدويلة الخليجية فى الصورة، على طريقة «خوليو» فى فيلم «سلام يا صاحبي»، وقدمت عروض إنقاذ مغرية، تماما مثل صفقة نادى باريس سان جيرمان، ويكون التوافق على شراء أسهم فى الجريدة أو القناة، وإما تقديم قروض بفائدة بسيطة لعبور الأزمة، بشرط، أن تكون تغطية الشرق الأوسط من مصادر محددة، «الجزيرة» مثلا، وهذا هو سبب ما نطالعه من عبارات «كوبى بيست» فى تقارير الإعلام الغربى عن مصر.
«فاتحة» على الإعلام، والنزاهة، والاستقلالية!
لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل رابط دائم: