رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لا أستطيع التنفس

إنه وجهى يا رجل. أنا لم أرتكب جرما يا رجل. من فضلك. من فضلك أنا لا أستطيع التنفس. من فضلك، من فضل أى إنسان. من فضلك يا رجل لا أستطيع التنفس لا أستطيع التنفس من فضلك يا رجل لا أستطيع التنفس. وجهي. ماما. لا أستطيع التنفس. من فضلك لا أستطيع التنفس. لا أستطيع الحركة.

هذا تفريغ نص الكلمات التى تفوه بها جورج فلويد الأمريكى الأسود خلال تنفيذ عملية اغتياله على مرأى ومسمع العالم كله. استمرت عملية الاغتيال البشعة أكثر من عشر دقائق. قامت الدنيا ولم تقعد خصوصا فى أمريكا التى يمثل السود فيها أكثر من 40 مليون نسمة، مختلفين عن أجدادهم الأوائل الذين اختطفهم الرجل الأبيض من إفريقيا وباعهم عبيدا فى أمريكا ووسمهم دائما بأنهم أقل من الرجل الأبيض، وليسوا مستضعفين مثلما كان آباؤهم الثائرون فى ستينيات القرن العشرين والذين أجبروا أمريكا على نزع بعض من حقوقهم المدنية المسلوبة. تلك الثورة التى كان يتزعمها مارتن لوثر كينج ومالكوم إكس الذى له مقولة تشبه النبوءة بخصوص الثورة الحالية: أنا على يقين أنه سيحدث صدام فى المستقبل بين المقهورين وبين قاهريهم فى أمريكا. الأمر مختلف هذه الثورة، فكثير منهم على درجة عالية من التعليم والوعى بحقوقهم المكفولة لهم بالقانون اضافة الى وجود أعداد كبيرة منهم فى مراكز حساسة فى المجتمع الأمريكى فى كل مناحى الحياة. من أجل ذلك فإن ثورتهم هذه المرة ستكون أكثر ضراوة وأكثر عنفا وأكثر مطالب. كانت عملية الاغتيال البشعة التى حدثت لواحد منهم هو جورج فلويد من البوليس المفترض فيه أن يحمى ويخدم كما هو شعاره الأساسى والذى دأب على قتل السود بسبب ودون سبب لتصبح نسبة قتل السود تسعة أضعاف القتلى البيض، ولدرجة أنه لايخلو شهر وإلا فيه قتيل بسبب لونه الأسود. كانت تلك الجريمة نقطة اشتعال فتيل تلك الثورة، والتى تزيد من حدة اشتعالها طريقة مقتله: الرجل ممدد على الأرض ووجهه للأسفلت وضابط مثبت لرجليه والثانى ضاغط على ظهره ورئتيه والثالث هو القاتل الأساسى واضع ركبته على حبل وريده ويداه فى جيوبه علامة استعلاء وعنصرية لا تخطئها أى عين، مما شل حركته بالكامل وجعله يهذى بتلك الكلمات فى أثناء مقتله.

من باب المصادفة كان وقت الجريمة يوافق لحظة وصول عدد ضحايا كورونا فى أمريكالأكثر من مائة ألف قتيل، وكانت كل الشبكات الإخبارية وبقية وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى لا تتحدث إلا عن هذه المأساه. فجأة فى ذلك اليوم الموافق الاثنين الخامس والعشرين من مايو توقفت التحليلات الإخبارية عن فجيعة كورونا فى كل وسائل الإعلام وحل محلها عرض جريمة مقتل جورج فلويد وكأنها تفوق فى حجمها كل آثار كورونا. كان فلويد عاطلا ضمن أكثر من 40 مليون عاطل يمثلون 26% من القوى العاملة الأمريكية نتيجة كورونا. ذهب ليشترى علبة سجائر من محل بقالة فى مدينة مينيابولس بولاية مينسوتا يملكه فلسطينى مهاجر اسمه محمود أبو ميالة يطلق على نفسه مايك أبو ميالة. كان محمود يعرف جورج فلويد وتربطه به صداقة. لسوء الحظ لم يكن محمود موجودا فى المحل لحظة دخوله متجره،وكان هناك موظف شاب شك فى ورقة العشرين دولارا التى دفعها جورج فلويد ثمنا لعلبة السجائر واتصل بالبوليس على تليفون الطوارئ وأبلغهم أنها ورقة مزورة. على الفور حضرت عربتا شرطة بهما أربعة ضباط وألقوا القبض على جورج فلويد وحدثت الجريمة. عقبها مباشرة صدر قرار بفصل الأربعة من الخدمة وخرج عمدة مدينة مينيابولس ليعلن ذلك القرار ويقول قولته المشهورة : كونك أسود فى أمريكا يجب ألا يعنى ذلك أنه محكوم عليك بالموت. هذه الجملة أغضبت ترامب فوصف العمدة بالضعف. بعدها بثلاثة أيام وصف حكام الولايات أيضا بالضعف والعجز فى مواجهة التظاهرات والنهب. اشتعلت المظاهرات فى غالبية المدن الأمريكية الكبرى وصاحبتها عمليات نهب للمتاجر والمصالح الأمريكية بطريقة غير مسبوقة. خرج غالبية حكام الولايات ليهاجموا تلك الفوضى وليعلنوا أن كثيرا من العناصر المخربة تدخل بين صفوف المتظاهرين السلميين وتضيف مشكلة كبيرة على كاهل الاقتصاد الأمريكى الذى أضعفته كورونا. تستمر هذه المظاهرات حدة وقوة يوما بعد يوم ولا تلوح أى علامة على اضمحلالها. يبدو جليا أن الحادث له تأثيرات كثيرة على ترامب مما جعله يخرج بعد أسبوع من نشوبها ويعلن فى خطاب غاضب أنه يتعين على حكام الولايات استخدام كل الوسائل لقمع المظاهرات ووقف عمليات النهب، وإن لم يفعلوا ذلك فإنه سيأمر القوات المسلحة الأمريكية بالنزول لتلك المدن لإيقافها. أغضب ذلك الخطاب الكثيرين لأنه يمثل اعتداء على حقهم الذى يكفله الدستور الأمريكى فى مادته الأولى والتى تنص على حرية الكلمة والتظاهر. فجأة أصبح هذا الخطاب قضية فى انتخابات الرئاسة القادمة. خرج جوزيف بايدن المرشح الرئاسى الديمقراطى المحتمل واجدا فى ذلك فرصة ليهاجم خطاب ترامب ومعالجته الخطيرة للأمور وأن طريقته تبث الفرقة والكراهية وتعمل على الاستقطاب بين أفراد الشعب الأمريكي، وأنه يعد فى حالة إنتخابه بأن يعمل على شفاء أمريكا من الجراح العنصرية التى أصابت جسدها خصوصا فى عهد ترامب وألا يستخدم ذلك أبدا لتحقيق أى مكاسب سياسية وأنه كان يتعين على ترامب بدلا من خطابه التهديدى تهدئة الموقف وطمأنة المتظاهرين على السعى لوجود حلول لمطالبهم. وأضاف بايدن أن ترامب بخطابه هذا يفعل أمرا لم يسبقه اليه أحد من الرؤساء الأمريكيين وأنه بخطابه هذا يعتدى على حق الأمريكيين فى التعبير عن آرائهم. حاول بايدن فى نقده لترامب أن يبدو قائدا قادرا على مواجهة الأزمات وحلها وأن يخلق تباينا بينه وبين ترامب الذى يبدو مهزوزا ويريد تقييد حرية الأمريكيين. كل التحليلات تؤيد ذلك وتضيف أنه سيكون رئيسا أفضل من ترامب. قبل الخطاب بيوم وبتاريخ 31 مايو أعلنت شبكة اي. بي. سى عن آخر استطلاع لها وأنه يظهر تفوق بايدن على ترامب بعشر نقاط لو أجريت الانتخابات الآن.


لمزيد من مقالات مصطفى جودة

رابط دائم: