كاسندرا أو ألكسندرا كانت راهبة لأبولو فى الأساطير اليونانية القديمة أحبها وتودد إليها ووعدته بأن تهب نفسها له فأنعم عليها بالقدرة على التنبؤ، وعندما لم تف بما عاهدته عليه وغشته غضب عليها وحقت عليها لعنته بأن تقول دائما نبوءات لا يصدقها أحد ثم تتحقق بعد فوات الأوان.
فى وقتنا هذا يستخدم الاسم كاستعارة تدل على عقدة أو ظاهرة أو توقع مصيبة وأمر جلل، وكأنها نبوءة حقيقية من شخص متخصص أو نموذج علمى يتوقع حدوث ذلك الأمر، غيرأنه لا يلقى آذانا صاغية عند صناع القرار الذين لا يصدقونه ولا يفعلون شيئا لمواجهته فتحدث مأساة كان يمكن الإستعداد لها ومواجهتها قبل حدوثها مما يقلل من وقع آثارها. هل حدث شيء مماثل فيما يخص كورونا؟ وهل تنبأ أحد بحدوثها وما ستسببه من أضرار جسيمة للبشرية؟ وهل يحدث الآن بعد حدوثها أخذ الحذر لما قد يتبع ذلك مثل حدوث موجة ثانية فى الخريف والشتاء المقبلين قد تكون أشد؟. .
نعم حدث كثير من الإنذارات من منظمة الصحة العالمية ومن علماء وباحثين عبر عقدين من الزمان بأن هناك وباء سيحدث، وأطلقوا عليه اسم المرض إكس. فى عام 2006 أنذر لارى بريليانت وهو عالم أمريكى مرموق وأحد المتخصصين العاملين بهيئة الصحة العالمية عن قرب حدوث مصيبة ووباء سيعم العالم بدرجة لا تخطر على بال أحد وأن العالم الذى نعرفه سيتوقف وسيتغير وأن الأمر يحتاج إلى ضرورة وجود كشف مبكر واستجابة سريعة لما سيحدث، خصوصا أنه لا يوجد مصل أو مضادات حيوية متاحة له، واقترح ضرورة الاستعداد لذلك بكل السبل وتوقع أنه قد يصاب بالمرض أكثر من بليون شخص، وقد يموت جراءه أكثر من 100 مليون منهم. كما توقع حدوث كساد اقتصادى وفقدان ملايين الوظائف وفقدان الإقتصاد العالمى تريلونات الدولارات. لم يحفل بقوله أحد مثلما لم يحفل أحد بنبوءة كاسندرا أحد. لم يكن لارى بريليانت هو المتوقع الوحيد لما سيحدث، فقد سبقته لورى جارييت الصحفية الأمريكية المتخصصة فى الشأن العلمى ومؤلفة كتاب الطاعون القادم الفائز بجائزة بولتيزر المعروفة، حيث كتبت فى مجلة فورن أفيرز فى عام 2005 أن العالم وأمريكا سيواجهان وباء لا يبقى ولا يذر وأنه سيقتل الملايين ويدمرالاقتصاديات العالمية. وأضافت أن بعض الدول ستواجه ذلك بعد فوات الأوان بردود أفعال عديمة الجدوى مثل غلق حدودها وفرض حظرعلى الحركة والسفر، وأن العالم وأمريكا سيسببان القلاقل والكثير من المتاعب ويكلفان رغم ذلك الجلد والسقط وأن الأسواق المالية ستتعرض لهزة فادحة. وأضافت أن الأمر لن يقتصر على تلك الخسائر بل سيتعداها الى إضعاف الجيوش وعمليات السلام التى تقوم بها الأمم المتحدة فى كل أنحاء العالم. فى عام 2009 حدثت إنفلونزا الخنازير وكانت وباء مستطيرا وأظهرت أن العالم غير مستعد لمواجهة الأوبئة كما كتبت ألانا شيخ فى بحث لها ونصحت العالم بأن يستعد. فى السنة نفسها نشر مايكل أوسترهولم مدير مركز الأمراض المعدية بجامعة مينسوتا الأمريكية مقالا بمجلة فورن أفيرز مفاده أن البشرية تمر بنقطة حرجة فى تاريخها، وأن الوقت يمر علينا ونحن غافلون لا نستعد للوباء القادم وأنه يتعين علينا العمل فورا بحماس لمواجهة الجراثيم القاتلة. فى عام 2015 كتب بل جيتس مقالا فى صحيفة نيويورك تايمز عن وباء مدمر قادم للعالم، وشبه الوباء بأنه عدو يحمل مدفع بازوكا وأن العالم يواجهه بخنجر، وأن الخسائر البشرية والاقتصادية ستكون كارثية وستقدر بتريليونات الدولارات.
فى 2018 توقع بيتر دازاك فى مقال بصحيفة نيويورك تايمز بأن المرض إكس القادم سيكون أشد وطأة من الإنفلونزا وأنه سينتشر بسرعة كبيرة وسيهز الأسواق المالية هزا عنيفا. فى السنة نفسها نشر روبرت ويبستر بحثا أن الوباء القادم سيقتل الملايين ويكلف التريليونات قبل فك أسراره وهزيمته وأنه يتعين على الجميع أن يكون مستعدا.
عقب الإعلان عن كورونا فى شهر يناير الماضى وفى منتدى الاقتصاد العالمى أنذر الدكتور سيث بيركلى العالم فى بحث له أن الوباء سيكون مدمرا وخصوصا على الدول الفقيرة. وفى الشهر نفسه كتبت الدكتورة لوسيانا بوريو والتى كانت تعمل مديرة للمركز الطبى للاستعداد والدفاع البيولوجي، والتى ظلت تعمل به خلال سنوات رئاسة ترامب إضافة الى عضويتها فى مجلس الأمن القومى الأمريكي، مقالا بعنوان: ضرورة العمل الآن لمنع وباء يهدد أمريكا. وذكرت أن الولايات المتحدة يجب أن تبذل مجهودات أكثر من التى بذلتها عام 2009 فى مواجهة إنفلونزا الخنازير وهو الأمر الذى أغضب الرئيس ترامب منها فألغى المركز وفصلها من وظيفتها ومن مجلس الأمن الأمريكي. مئات العلماء أدلوا بدلوهم منذ اكتشاف كورونا وبعضهم توقع استدامته لمدة 24 شهرا ولا أحد يعيرهم التفاتا. ترامب لا يختلف كثيرا عما فعله ملك طراودة والد كاسندرا. نصحه الكثيرون من العلماء والمتخصصين فى بداية الوباء وقبله بضرورة اخذ الاستعدادات اللازمة لمواجهته فرفض وأبى ولم يعر أحدا من العلماء والمستشارين أى إلتفات، وأطلق على الأمر كله عملية نصب تشبه عملية النصب التى قادها الحزب الديمقراطى بخصوص محاكمته. وأضاف أن كورونا يختفى بالكامل من أمريكا فى غضون أيام وأنه واثق من أن أمريكا على أهبة الاستعداد علميا وتكنولوجيا لمواجهة كورونا أو غيره، وأن بأمريكا أفضل العلماء وأفضل المستشفيات، وتوقع أن الفيروس سيدوم مدة أقل بكثير مما يتوقعه العلماء والمتخصصون.
تتراكم توقعات شبيهى كاسندرا، وكل ما يفعله العالم مجرد ردود أفعال مكلفة، لدرجة أنه لا توجد أى أجندة لمواجهة ما يسمى بالموجة الثانية للوباء التى يتنبأ بها العلماء المختصون بقدوم الخريف والشتاء المقبلين.
لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة رابط دائم: