لولا «الاختيار» لما كانت حرب «الهاشتاجات» المتصاعدة، ولما كان ظهور المحروق «محمد علي» مجددا، ولما كان التحريض في أزمة الأطباء، ولما كان هذا التنمر والتطاول على أهل الفن.
هذا ما توقعناه من قبل الشهر الفضيل!
لم يكن «الاختيار» مجرد مسلسل، و«حدوتة»، بل طلقة فى معركة، وجولة فى حرب ضروس، استوجبت الرد من أهل الشر، ومن والاهم.
أثبت «الاختيار» أولا أن الدراما المصرية فى أيد أمينة، وأثبت ثانيا، وبكل فخر، أن الدراما العربية، هى الدراما المصرية، قولا واحدا، وأن أى محاولة لـ«التطبيل» لأى دراما أخري، سورية أو لبنانية أو خليجية، لا ترقى لمستويات المسرح المدرسي، هى مجاملة سخيفة، ولا محل لها من الإعراب.
جمع «الاختيار» بين الإنتاج الضخم، والإبداع الدرامي، والتوثيق، فبدا متكاملا متماسكا، يستحق الحديث عنه لسنوات، محليا وإقليميا وعالميا، فقد حشد فى حلقاته الثلاثين رسائل قوية وواضحة، وأخرى «رمزية» قد لا يلاحظها كثيرون.
أثبت «الاختيار» أن الدولة المصرية القوية فتحت على أعدائها «جبهة» جديدة غير متوقعة، وعليهم الآن أن يستعدوا لتلقى ضربات وصفعات مؤلمة أخرى لا تنتهى عبر هذه الجبهة، فبالأمس «الممر» و«ممالك النار»، واليوم «الاختيار»، وغدا «الاختيار 2»، وربما يعقبه «الاختيار 3»، والبقية تأتي.
فضح المسلسل الإرهابيين، فقدمهم على أنهم لا يعرفون عن الدين سوى «الله المستعان» و«بارك الله فيك»، كما عرض نماذج أخرى حقيقية لقادة ومقاتلين، تاجر مخدرات، وتاجر أعضاء، وتاجر سلاح، ومن كان «بيقفل شوارع بالمطواة»، فضلا عمن تم تجنيده بسلاح النساء والحور العين وزواج «الويك إند» و«المسيار»، كما ورد فى الحلقة 29.
أكثر ما ميز «الاختيار»، أنه لم يجامل، ولم يهادن، بل كشف داعمى الإرهاب وأعداء مصر بالإسم، وضربهم «تحت الحزام»، بداية من قطر وتركيا و«الجزيرة»، ونهاية بـ«أم أيمن» التى ورد اسمها فى المسلسل فى أكثر من مرة بوصفها سمسارة جهاد النكاح!
ومع كل هذه الرسائل القوية الصريحة، كانت هناك فى المسلسل الكثير من الرسائل الرمزية العبقرية التى لم نشاهد مثلها ربما منذ أفلام رائد الواقعية صلاح أبو سيف، ومن بينها أن:
- استشهاد المنسى جاء بطلقة من الخلف، وليس من الأمام، فقد «جبن» قاتله أن يواجهه.
- لفظ المنسى أنفاسه الأخيرة فى أعلى مبنى كمين «البرث»، ومات واقفا شامخا، بينما ظهرت جثث الإرهابيين أسفله على الأرض.
- هشام عشماوى لم يبتسم طوال المسلسل أبدا، وظهر مقطبا جبينه بعلامة 111، تعبيرا عما يسميه المصريون بـ«غضب الله» على وجهه.
- عشماوى لم يكن يتشرف بارتداء الزى العسكرى فى أثناء الخدمة، ولكنه عندما «اتزنق»، لم يجد ما يحتمى به سوى بدلته العسكرية، فعندما علم باعتقال زوجته وشقيقته صاح غاضبا: «هما مش عارفين إنها مرات ضابط»؟ رغم أنه وقتها كان قد ترك الخدمة!
ـ أوباما ظهر وهو يتحدث فى التليفزيون فى الخلفية فى أحد مشاهد حديث أفراد أسرة عشماوي، فبدا وكأنه الظهير المساند لهم، وقد كان كذلك بالفعل، داعما للإخوان وهما فى الحكم، وخارج الحكم أيضا!
ـ سيارة الشهيد المنسى صغيرة وعادية جدا و«مخبوطة من الجنب»، كسيارة أي مواطن!
ـ تداول نشطاء تكهنات بأن المحصول الذى كان يزرعه «سعد» فى أرضه هو «البرسيم»!
ـ الضابط الخائن وليد بدر، ظهر ضعيفا مهزوزا مترددا مرتعدا، إلى أن نفذ محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق أيضا وهو فى حالة من الجبن والارتعاش، لدرجة أن من سجلوا له فيديو العملية الإرهابية لاحظوا عليه ذلك، وطالبوه بقليل من الثبات، ثم ضحكوا عليه بـ«بوكيه ورد»!
ـ على نقيض أخلاقيات المنسى ووالده ووالدته، ظل عشماوى طيلة حياته أبعد ما يكون عن صحيح الدين، فقد كان يعامل العساكر بفظاظة، ثم لجأ للكذب والغش والتدليس بادعاء المرض للخروج من الخدمة، ثم خان وطنه والقسم، بانضمامه إلى صفوف الإرهابيين، وبعدها خان زملاءه وقتلهم بيده، وخان بدلته العسكرية عندما ارتضى أن يهين خبراته كضابط صاعقة ويصبح «شخشيخة» فى أيدى مجرمين و«شوية صيع»، حتى بواب عمارته لم يسلم من سلوكه، وخان قضيته بأكملها عندما «اختار» عدم تفجير نفسه بالحزام الناسف فى أثناء القبض عليه، ثم اعترف عند إعدامه بأنه «ما بقاش ينفع خلاص»!
الرجولة «اختيار»، وطلب الشهادة «اختيار»، والدراما المحترمة «اختيار»، والأدب والتربية «اختيار»، وقسم «أبقراط» الذي تحاول قلة من الأطباء انتهاكه أيضا «اختيار»!
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: