لا أعرف لماذا نحن مندهشون من تعيين الناشطة اليمنية البائسة توكل كرمان عضوا فى مجلس حكماء فيسبوك؟!
يا جماعة .. تويتر تويترهم.. والفيسبوك فيسبوكهم.. والسوشيال ميديا ليست موجودة أصلا من أجلى ومن أجلك، ولا من أجل خدمة البشرية، وإنما من أجلهم هم، ولأهداف كثيرة أخري، أقلها التجسس وجمع المعلومات، وأخطرها إقامة عالم مواز افتراضى بمعزل عن الدول والقوانين والحكومات والقيم المجتمعية.
على تويتر وفيسبوك، ندرك تماما أننا نلعب خارج ملعبنا، يعنى على أرضهم، ومع ذلك، تفوقنا عليهم فى أكثر من اختبار، رغم المنافسة غير النزيهة، وعدم حيادية إدارتى تويتر وفيسبوك، ولذلك، كل ما يحدث الآن أن هذه المواقع تحاول استعادة نفسها، وهدفها الحقيقي، فتسعى لطردك، أو تطفيشك من المكان، طالما أنك لست شخصا مناسبا لهم، سواء عبر محاولتها فرض شروطها عليك، أو عبر إجبارك على أن تكون واحدة مثل توكل كرمان صديقة، وصاحبة مكان!
لا تندهشوا من قرار اختيار توكل كرمان ضمن مجلس حكماء فيسبوك، فاليوم، توكل، وغدا البرادعي، وبعد غد أحمد المغير، وربما فى الطريق أيضا وائل غنيم، الذى يحاول التقرب إلى المصريين منذ فترة بطريقة مكشوفة، عبر إقناعنا بأنه «غير مساره»!
الفضاء الإلكترونى قرر منذ سنوات أن تويتر وفيسبوك ويوتيوب وانستجرام حق مجانى كالماء والهواء، والآن، يوفرون لك هذا الحق بشروط، ولن تستطيع أن ترفض، ولن تستطيع أن تقاطع، لأنك ستموت من الاختناق أو من العطش!
طبعا، قرار إدارة فيسبوك المستفز ليس وليد اللحظة، ولكن له مبرراته، وخلفياته.
أما مبرراته، فهى أن04 عضوا من مجلس الإدارة اتفقوا على اسم توكل كرمان لأنها حاصلة على نوبل، وفقا لما ذكره نيك كليك نائب رئيس فيسبوك للشئون العالمية والاتصالات، وطبعا هذا كلام فارغ، لأن نوبل ليست حصانة كونية لصاحبها، خاصة إذا كان عضوا فى تنظيم إرهابي!
وأما خلفياته، فتعود إلى شعور تويتر وفيسبوك بأن الموقعين فشلا فى تغيير أى أوضاع أو مفاهيم فى منطقتنا، وأخفقا فى ترويض المزاج العام للمصريين، ولا السعوديين ولا الإماراتيين، بل ونجحت الجبهة القوية المعادية للجماعات الإرهابية والأفكار الثورية والفوضوية فى إغلاق الكثير من الصفحات المشبوهة على فيسبوك، وإفشال جميع الهاشتاجات المسيئة على تويتر، والتى تظهر كل دقيقة كالدمامل، بحسابات مزيفة، وبأعداد متابعين فلكية.
ولعل هذا ما دفع تويتر مثلا إلى اتخاذ خطوة دنيئة فى سبتمبر الماضي، سبقه إليها موقع فيسبوك، بإغلاق وحظر تعسفى لحسابات أناس عاديين جدا، بدعوى أنها تابعة لحكومات عربية وأجنبية، وأنها تنشر معلومات خاطئة، وأنها تشارك فى حملات للتضليل الإعلامي، وبالطبع، معظمها حسابات مصرية وسعودية وإماراتية!
طبعا تصرف تويتر، ومن قبله فيسبوك، كان مريبا، ومضحكا، ولكن المستخدمين شعروا بحجم المؤامرة وراءه، فقد ظهر للعيان انحياز إدارة الموقعين بصورة فجة غير مسبوقة إلى بلاغات أعضاء جماعة الإخوان المقيمين فى دول مختلفة من بينها تركيا وقطر ضد حسابات المصريين والإماراتيين والسعوديين الذين فضحوا ممارسات هذه الجماعة وانتقدوا سياسات الدوحة وأنقرة، فى حين كانت إدارتا الموقعين تتقاعسان، أو بالأحرى تستعبطان، فى التعامل مع بلاغات موجهة ضد تدوينات وتعليقات مسيئة وتحرض على العنف والإرهاب بعبارات صريحة.
وبالفعل، كثرت الشكاوى خلال الفترة الماضية من أنه تم حظر أو إغلاق حسابات مستخدمين كثيرين جدا من مصر وغيرها، لمجرد أنهم أدلوا بآراء عادية جدا عن قضايا وأوضاع المنطقة، ولم تعجب مسئولى فيسبوك وتويتر، مثل تمجيد شهدائنا، وإدانة الإرهاب، وفضح المتطرفين، بينما فى المقابل، رفضت إدارتا الموقعين الاستجابة لأى بلاغات ضد تدوينات الإرهاب والعنف والتحريض والشتيمة، لدرجة أن بيانات وكالة أعماق الناطقة باسم تنظيم داعش الإرهابي، تبث على تويتر عادى جدا جدا، والصفحات المزيفة على فيسبوك لا يستطيع أحد الاقتراب منها!
إذن، الحكيمة توكل كرمان مهمتها محاولة استعادة هذه المنصات من أيدينا، وتطفيشنا منها.
فليس معقولا أن يتم إنفاق تريليونات الدولارات على فيسبوك وتويتر على مدى عقود لمحاربة دول وتغيير أنظمة وتدمير مجتمعات ونشر أفكار وتقوية جماعات وتنظيمات، وتأتى أنت لتجعلها مسرحا لشعارات تحيا مصر، والسيسى رئيسي، والمنسي، أسطورة، وأردوغان مجرم، ومصر والسعودية مصير واحد!
.. ومع ذلك، وسواء جاءوا بتوكل كرمان، أو حتى بـ «العفريت»، لقمع خلق الله على تويتر أو فيسبوك، ندرك تماما أن الملعب يبقى ملعبهم، ونثق أيضا فى قدرتنا على الفوز خارج الأرض!.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: