بحماس شديد، ولم يعد يدعو للريبة بطبيعة الحال، تسابقت وسائل إعلام عالمية مرموقة لنشر دفاع حكومتى قطر وتركيا فى مواجهة الاتهامات الموجهة إليهما بتطبيق سياسات فاشلة ومتردية وغير شفافة فى مواجهة أزمة كورونا، فى ظل إصرار أنقرة تحديدا على عرقلة جهود أحزاب المعارضة التركية لإغاثة أفراد الشعب المتضررين من الأزمة، فى الوقت الذى ترغم فيه الدوحة العمال الأجانب لديها على مواصلة تشييد منشآت بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 دون توفير أبسط احتياطات الحماية الصحية لهم.
وفى مقابل ذلك، ينقلب هذا الحماس إلى شيء آخر تماما عند التعرض للحالة المصرية فيما يتعلق بأزمة كورونا، إذ لا تراعى وسائل الإعلام نفسها مثل هذه الموضوعية عند عرضها أى اتهامات موجهة للحكومة المصرية، وتكتفى بإبراز مثل تلك الاتهامات وتضخيمها مع استقاء معلومات وأخبار غير صحيحة من مواقع التواصل الاجتماعي.
ظهر ذلك بوضوح فى التشكيك والسخرية فى جدوى إجراءات الدولة المصرية لدعم العمالة الموسمية المتضررة من أزمة كورونا، وكان هناك تعمد أيضا لتجاهل الإشارة، ولو بصورة مقتضبة، إلى تعليقات المسئولين الرسميين على مثل هذا التشكيك المغرض.
ففى تقرير بثته وكالة «رويترز» للأنباء بتاريخ 7 أبريل 2020 بعنوان «أزمة فيروس كورونا تتسبب فى أوقات صعبة للكثير من عمال اليومية فى مصر»، قالت الوكالة إن محاولة تقديم مساعدات نقدية طارئة للأفراد غير المدرجين فى قوائم التأمين الاجتماعى تشكل تحديا كبيرا للاقتصاد المصري، وتابعت تقول إن أكثر من 12 عاملا أجرت معهم مقابلات ذكروا أن 500 جنيه شهريا ليس كافيا لتغطية فواتيرهم، ونقلت أيضا عن رجال أعمال قولهم إن أى عامل غير ماهر فى مصنع يحصل على ألفى جنيه شهريا!
هكذا تعاملت رويترز مع دعم الحكومة للعمالة غير المنتظمة، الذى لم تقم به دول أخرى كبيرة، إذ اكتفت بنشر آراء 12 عاملا لا يعجبهم مبلغ الـ500 جنيه، دون أن تكبد نفسها عناء الحصول على آراء ولو عامل واحد من بين ملايين العمال الذين حصلوا على المبلغ وأبدوا سعادتهم به!, كما لم تكلف الوكالة نفسها مشقة الحصول على أى تعليق رسمى من مسئول حول هذا الموضوع، وبطبيعة الحال، لم تكلف نفسها عناء متابعة عمليات صرف مبلغ الـ500 لهذه العمالة غير المنتظمة، لتتأكد بنفسها أن الحكومة المصرية كانت على قدر التحدى الذى تحدثت عنه.
وعلى النقيض من هذا التقرير «المستاء»، بثت الوكالة نفسها تقريرا ثانيا بتاريخ 9 أبريل بعنوان «النقاد يصرحون بأن معركة تركيا ضد فيروس كورونا تفشل فى رأب التصدعات»، حول دعوة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان شعبه للوحدة فى مواجهة كورونا، إذ أقحمت الوكالة فى التقرير إشارة شديدة الغرابة إلى استطلاع رأى أجرته مؤسسة «متروبول» يظهر ارتفاعا كبيرا فى شعبية أردوغان لتصل إلى 55٫8%، وقالت صراحة إن تعامل الحكومة التركية مع كورونا يحظى بالدعم الشعبي!, ولم تفسر لنا الوكالة تأثير سياسات أردوغان الحكيمة التى لم يرها أحد سوى رويترز على تحول تركيا إلى واحدة من أعلى دول العالم فى معدلات الإصابة بكورونا ونسب الوفيات خلال الأيام الماضية!
والشيء نفسه حدث فى تقرير بتاريخ 7 أبريل للوكالة نفسها، ولكن عن قطر، حيث أشارت فيه، وبكل سعادة وثقة إلى أن كأس العالم 2022 هى الحدث الكروى الوحيد الذى لم يتم تغيير موعده بعد الخراب الذى أصاب العالم بسبب أزمة كورونا!
ومع ذلك، بثت الوكالة نفسها تقريرين متتاليين يومى 6 أبريل يفضحان حجم الأزمة فى قطر بسبب كورونا والمونديال المزعوم، الأول بعنوان «اتهام مسئولين تنفيذيين سابقين فى تحقيق حول فساد الفيفا» فى إشارة إلى تلقى مسئولين من الاتحاد الدولى لكرة القدم رشاوى لاختيار قطر لاستضافة مونديال 2022، والثانى تناول باقتضاب تقريرا لمنظمة العفو الدولية تضمن مخاوف حيال إغلاق مساكن المهاجرين والعمالة الآسيوية فى قطر بسبب تفشى كورونا، وهى فضيحة كبيرة بالمناسبة تخشى وسائل الإعلام الحديث عنها وعن تفاصيلها.
وبعيدا عن هذه الكوارث والفضائح، لم تجد وكالة «أسوشييتدبرس» للأنباء وسيلة أفضل من استغلال المشاعر الدينية، و«ضربها» فى الاقتصادية، لتصوير الوضع فى مصر على أنه «مرير».
ففى تقريرها بتاريخ 7 أبريل، قالت الوكالة إن «الكثير من المصريين الفقراء الذين تضرروا بشدة من إجراءات العزل والحظر يشعرون بالأسى لإعلان وزارة الأوقاف بأن المساجد لن تقيم موائد الرحمن العامة فى شهر رمضان القادم».. وبجرأة شديدة، تناولت الوكالة نفسها فى تقرير آخر نبأ تأجيل افتتاح العديد من المشروعات القومية الكبرى بصورة توحى بأن تنفيذ المشروعات نفسه هو «المؤجل»، وليس الافتتاحات!
رابط دائم: