ما من مرة ندخل فيها ساحة ظرف وطنى ضاغط ومؤلم ونطلب إسهام الشعب فى مواجهته (وضمنه الأثرياء ورجال الأعمال)، حتى نجد أولئك الأثرياء يقاومون ذلك ويستميتون فى رفضه والالتفاف حوله، وأخيرا فى أزمة كورونا راح بعض الأثرياء ورجال الأعمال يصرخون فينا: (فلوسى.. موظفينى.. أنا لم يدخل لى مليم منذ شهور)، بينما يدبدب بعضهم الآخر فى الأرض صائحا: (رجل الأعمال ليس جبلا من النقود.. أنا فقير.. أنا جربوع) وأخيرا تبرع بعضهم ولكن ليس ـ أبدا ـ بمستوى ثرواتهم ولكنهم تبرعوا وهذا شيء يسجل لهم، والحقيقة أن هذا الوضع لا ينفع فى ظرف استثنائى ولا يمكن أن نأخذ فيه موقفا انتقائيا بالتبرع من عدمه لأن الجائحة خطيرة وشاملة وستدمر الجميع إن لم نحشد قوانا لمواجهتها، رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب نفسه (رغم قرارات دعمه المشروعات الصغيرة ورغم كلامه عن ضرورة عودة العمل يوما ما) وقع قرارا بتفعيل الإنتاج الدفاعى بحيث صارت بعض موارد القطاع الخاص من الآن فصاعدا تحت تصرف الحكومة الأمريكية، كل خطوط الإنتاج والمخازن.. كله تحت سيطرة الحكومة الفيدرالية لمواجهة فيروس كورونا،
وسوف تتلقى هذه الشركات أوامرها من البيت الأبيض، يعنى (تأميم مؤقت) لشركات كانت غير متجاوبة وقت فرض العزل، والآن صار من حق الرئيس تعطيل أى إنتاج يراه غير ضرورى ويتدخل فى ميزانيات القطاع الخاص فيرفع أو يخفض الأجور والرواتب ويحدد الأولويات أى سيطرة كاملة على أنشطة ذلك القطاع الخاص، وحتى معارضى ترامب من الديمقراطيين لم يختلفوا مع الرئيس فى مقولته: (لن نسمح للعلاج أن يكون أسوأ من المشكلة)، وبالتالى ساد مبدأ إنقاذ الأرواح بالتوازن مع تقليل الأذى الاقتصادى، أما حكاية (فليمُت الناس أفضل من أن يفلس البلد) فهذا كلام غير مسئول ـ بكل أسف ـ ولا يرتقى إلى مستوى الأزمة، وأخيرا فإن صيحات (أنا فقير.. أنا جربوع) التى يرددها بعض أثرياء مصر لا تتناسب مع قيام أحدهم بشراء بئر بترول من شركة خليجية تعمل فى مصر وقد دفع فى هذه البئر ـ التى تقع فى أقصى شمال الدلتا ـ أكثر من مليار جنيه.. أليس كذلك؟!
لمزيد من مقالات د. عمرو عبدالسميع رابط دائم: