قبل سنوات، اكتشفت السلطات في أكثر من دولة أوروبية، ومن بينها فرنسا، أن منفذي العمليات الإرهابية التي استهدفت عدة دول أوروبية، استخدموا منتديات الحوار والتخاطب في بعض الألعاب الإلكترونية الشهيرة لتبادل الخطط والآراء حول جرائمهم بعيدا عن رقابة الأجهزة الأمنية.
ومع ذلك، لم تفلح الجهود الأمنية في أي دولة حتي يومنا هذا في الحد من ظاهرة الحوارات الخارجة عن حدود الرقابة والسيطرة، علي منصات الألعاب الإلكترونية، نظرا لوجود نوع من الاستحالة يمنع حدوث ذلك، لا اليوم، ولا غدا، ولا في أي وقت.
ولهذا السبب، لم تفاجئ شبكة «سي.إن.إن» الإخبارية الأمريكية متابعيها وجمهورها بتفاصيل التقرير الذي بثته بتاريخ 13 مارس 2020 بعنوان «لعبة ماينكرافت Minecraft تستضيف مكتبة لا تخضع للرقابة وتحفل بالمقالات المحظورة»، نظرا لأن أغلب ممارسي هذه اللعبة بالذات، وممارسي ألعاب إلكترونية مماثلة، يعرفون أن هذه الألعاب باتت أبوابا خلفية متاحة لعرض كل ما هو ممنوع، وكل ما هو خارج عن القانون، والمألوف، ولكن الفارق أن من بدأ في استغلال هذه الألعاب في مثل هذه الأغراض كانت عناصر تنظيم داعش الإرهابي، أما من يستخدمه الآن في نشر المحتوي المحظور، فهي منظمات تتحدث باسم الحرية!
ويقول تقرير سي.إن.إن. إن لعبة «ماينكرافت»، وهي لعبة فيديوية مشهورة علي الإنترنت، باتت تستخدم كمكتبة افتراضية، حيث أصبح بوسع اللاعبين الممارسين لها، الاطلاع علي المقالات الإخبارية المحظورة من جميع أنحاء العالم، ويستطيع اللاعبون الوصول إلي أعمال الصحفيين الذين لقوا مصرعهم أو تم سجنهم أو نفيهم أو معاقبتهم من قبل الحكومات، بما في ذلك مقالات للصحفي السعودي الراحل جمال خاشوقجي.
وأفادت «سي.إن.إن» بأن هذا المشروع أقامته منظمة «مراسلون بلا حدود»، المتخصصة في الدفاع عن حرية الصحفيين في جميع أنحاء العالم، وأشارت إلي أن المشروع يمنح المستخدمين، أو «اللاعبين»، القدرة علي الوصول إلي المقالات المحظورة في خمس دول تحديدا يتم تصنيفها في مراتب متدنية في المؤشر العالمي لحرية الصحافة، ومن بينها مصر، وفقا لسي إن إن، وروسيا، والمكسيك.
إلي هنا، انتهي كلام السي إن إن حول هذا الموضوع.
ولا يوجد رد يمكن تقديمه علي هذا الكلام، سوي ما سبق قوله عن ملابسات استخدام هذه الألعاب في أغراض الهروب والاختفاء عن أعين السلطات الأمنية.
ولكن، ما يجب أن يبقي محل سؤال هنا هو، من الذي منح منظمة «مراسلون بلا حدود» الحق في نشر محتوي مثير للجدل عبر منصات لعبة إلكترونية يفترض أنها مصممة خصيصا للهو والتسلية والترفيه، ولجمهور أغلبه من الأطفال والصبية والمراهقين.
وسؤال آخر يتعلق بسبب إصرار المنظمة علي القيام بهذا الإجراء علي الرغم من حقيقة أن المقالات المحظورة المشار إليها متاحة بالفعل علي الإنترنت، وعبر الكثير من المواقع والصفحات، وعلي مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يمكن لأى دولة أو أي جهة حظرها.
وسؤال ثالث عن العلاقة بين تحويل لعبة كهذه تقوم علي فكرة تنمية الموارد وتكوين بيت من أجل البقاء علي قيد الحياة Survival، وبين ألعاب سابقة سيئة السمعة علمت المراهقين العنف والقتل والبلطجة والاعتداء علي السلطات، وارتبط اسمها بأحداث فترة ما يسمي ـ»الربيع العربي»، مثل لعبة «جي.تي.إيه» GTA.
أما السؤال الأهم، فهو، لماذا لجأت منظمة تزعم الدفاع عن حرية الصحافة بنشر ما تسميه مقالات محظورة في إطار ما تسميه أيضا «المكتبة الافتراضية»، وهي تعلم تماما أن للنشر قواعده وأصوله وأخلاقياته التي يجب أن تلتزم بها الدول المختلفة، بدليل ما تعرض له جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس من تنكيل ومطاردة لمجرد أنه سرب علي الإنترنت معلومات سرية بما يخالف قوانين دول كبري.
ومع هذه التساؤلات، يبقي سؤال آخر بريء للغاية، ويحتاج إلي تفسير، وهو: من الذي قرر وضع اسم مصر تحديدا ضمن قائمة الدول الأكثر تضييقا علي الصحافة مع كل من روسيا والمكسيك وغيرهما، ولم يضع دولا أخري تعتبر من «علامات» قمع الحريات، وبها بالتأكيد الكثير من المقالات والكتب والمواد الممنوعة، والعديد من المعتقلين بسبب آرائهم وأعمالهم الأدبية أو الفنية، مثل تركيا وقطر؟!
من هو صاحب هذه الأفكار إذن؟ وما هو الغرض منها؟ ومن وراء وضع قائمة الدول المستهدفة؟
وهل تورطت منظمة «مراسلون بلا حدود» في هذا المشروع، خاصة أن لديها إمكانات نشر ما تريده عبر موقع أو صفحة قد لا يتكلف إنشاء أي منهما أكثر من حفنة دولارات؟!
رابط دائم: