كورونا أزمة صحية، وكارثة إنسانية، ومع ذلك، لم يسلم الأمر من محاولات تسييس وتديين الأزمة.
فى الأيام الأولى من ظهور الفيروس فى ووهان الصينية، ومع بدء انتشاره، وتحوله إلى أزمة إنسانية، بدأت محاولات المدلسين، والمسيسين، لابتزاز الرأى العام العالمي، لتحقيق أغراضهم الغبية أحيانا، والدنيئة أحيانا أخرى.
قالوا إن الوباء عقاب إلهى من الله للصين على ما تفعله فى مسلمى الايجور فى شينجيانج، ومع ذلك، لم يتمكن هؤلاء من تفسير سبب انتشار الفيروس بعد ذلك فى كل أنحاء الصين، بما فيها شينجيانج نفسها، ويسقط من بين ضحاياه البوذيون والمسلمون والمسيحيون واللادينيون معا!
قالوا بعد ذلك إن الفيروس قنبلة بيولوجية أمريكية استهدفت القضاء على المارد الصيني، ومع ذلك، لم يستطع أى من أصحاب هذا الرأى تفسير انتشار الفيروس فى الولايات المتحدة، لدرجة أن الرئيس دونالد ترامب وصفه بـ«الفيروس الصيني» القادم إلى الأراضى الأمريكية!
قالوا إن الفيروس يصيب الفقراء والبسطاء والضعفاء، لأنه ينتشر بسبب غياب النظافة والرعاية الصحية، فإذا به يصيب أوروبا التى تنعم بأفضل مستويات النظافة العامة فى العالم، ثم يصيب عددا من كبار القادة والمسئولين ونجوم الفن والرياضة، بل ومن نعم الله على البشرية أن انتشار الفيروس فى دول إفريقيا تحديدا أقل بكثير من انتشاره فى أوروبا والأمريكتين وآسيا.
فى مصر وبلادنا العربية، شمتنا فى بعضنا البعض، وتنمرت دول على رعايا دول أخرى، بلا أى مبرر، ودون أى سند علمي، فكانت النتيجة أن الوباء أصاب الجميع، ولم يسلم منه أحد، ولم يعد أى شعب قادر على أن ينطق بكلمة واحدة تفيد بأنه أفضل حالا من أى شعب غيره.
فى بلادنا أيضا، قالوا إن كورونا جاءت بسبب الظلم والقهر وغياب الحريات والعدل والديمقراطية، فإذا بالفيروس يضرب بلاد العدل والرخاء والديمقراطية والإسلام الحقيقي، من وجهة نظر هؤلاء طبعا، مثل قطر وتركيا وإيران، ولا نشمت فى أحد بطبيعة الحال، فكلنا فى الوباء سواء. وفى مصر تحديدا، ظهرت محاولات تسييس الأزمة منذ يومها الأول، بداية من إصرار شعب الفيسبوك على التشكيك فى بيانات وزارة الصحة التى كانت تؤكد عدم ظهور حالات كورونا فى مصر، مع تعمد إنشاء عشرات الصفحات والجروبات على كل مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل ترسيخ فكرة وجود مصدر آخر مواز ومستقل وموثوق به للمعلومات عن كورونا، إلا أن هذه الصفحات فى واقع الأمر استخدمت بعد ذلك تباعا فى الضغط على الدولة لاتخاذ أكثر من قرار، وإرهاقها بكثرة المعلومات الخاطئة والبلاغات التهويلية، عن ظهور حالات هنا وهناك، ثم تأليب الأطباء والممرضين، ثم دعوات مريبة بأن «نعيش حياتنا»، ونخرج من منازلنا.
وأخيرا جاء التحدى الأكبر فى قرار غلق المساجد وتغيير صيغة الأذان إلى «صلوا فى رحالكم»، و«صلوا فى بيوتكم»، فلم يعجب هذا القرار تجار الدين، وأباطرة التزمت، فقاوم البعض القرار، ورفض آخرون تطبيقه، وتحايل أئمة للالتفاف عليه، ففعلوا مثل أصحاب المقاهى الذين كانوا يصرون على دخول «الزبائن» خلسة إلى المقهى وإغلاقه على من بالداخل، والبعض ولول وانتحب على الفيسبوك زاعما أن المساجد تشكو هجرانها، رغم أن المساجد لو نطقت لاشتكت غباءهم وعدم فهمهم لصحيح الدين!
وفى ظل حيرة الدولة بين فرض حظر تجوال يجبر المصريين على البقاء فى منازلهم، وبين ترك الأمور على ما هى عليه لعدم تضييق الحياة عليهم، جاءت تكبيرات البلكونات فى الإسكندرية لتكتب السطر الأسوأ فى القصة كلها، خاصة أنها جاءت فى أكثر أيام انتشار الشائعات المدمرة على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء عن شخصيات أصيبت بالفيروس، وأخرى توفيت، فضلا عن شائعة إعلان حظر التجوال التى تم القبض على مصدرها.
فمن شارك فى تكبيرات بلكونات الإسكندرية، معظمهم كان يرغب فى تقليد ما فعله الإيطاليون عندما وقفوا يغنوا فى بلكوناتهم، ولكن أغلب من انساق وراء هذه «البدعة» لم يعرف إلا متأخرا أن تكبيرات البلكونات ليست سوى دعوة «مشبوهة» ظاهرها الدين وباطنها الإخوان، أطلقتها منصات الإرهاب فى قطر وتركيا وعلى صفحات الفيسبوك وتغريدات تويتر، لإرهاق الدولة، وركوب موجة الفيروس، لتوصيل رسالة تقول إن المصريين فى ابتلاء، وأن الدولة مقصرة، بدليل أن الأمر تحول بعدها إلى «مسيرات ضد كورونا» استحقت السخرية!
.. كان الله فى عون الإسلام ومصر!
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: