بصراحة، ودون زعل، الشائعات تتلاعب بنا.
الكذب ما زال أقوى من الحقيقة، قدرتنا على مواجهة الشائعات ما زالت ضعيفة، الوعى الجماهيرى غير كاف، والمواجهة الرسمية أيضا غير حاسمة، وغالبا ما تأتى متأخرا، بعد «خراب مالطة»، والأزمات السابقة والحالية أثبتت ذلك، ففى كل مرة، تنجح الشائعة، وتفشل الحقيقة.
هذا الوضع غير المنطقى ليس موجودا فى أى دولة فى العالم، والسبب هو نحن، ولا أحد غيرنا.
نعم، لوموا «أهل الشر» على أنهم مصدر رئيسى للشائعات وللفيديوات المفبركة، ولكنهم ليسوا المصدر الوحيد، فمن بيننا كثيرون تعجبهم «اللعبة»، كما أن من بيننا كثيرين أيضا يسيرون خلفهم مثل «القطيع» تماما.
علمونا «زمان» أن الشائعة تنتشر فى غياب الحقيقة، أو فى غياب الخبر، أو فى غياب التصريح الرسمي، وأن الوعى العام خير وسيلة للقضاء على الشائعة، ودحض تأثيرها، ولكن ما نراه هذه الأيام هو الجنون بعينه.
فى قضية الأمطار، الحضور «الرسمى» كان موجودا، ومع ذلك، كثرت الشكوى و«الولولة» على الطرق والكهرباء، رغم أن الكارثة كانت فوق القدرات، وتحدث فى كل الدول، ولا نسمع أحدا «يلطم».
فى قضية كورونا، ظهر إصرار المواطن المصرى منذ البداية على تصديق المصادر المجهولة، ومواقع وصفحات «بير السلم»، وتكذيب بيانات وزارة الصحة المصرية، بل «الصحة العالمية» ، لماذا؟ لا أحد يعرف!
من الذى أوصلنا لهذه الحالة المزرية من تكذيب كل ما هو مصري، وكل ما هو رسمي، وكل ما هو «فى النور»؟
هل توجد أى دولة فى العالم بها إحصائيات رسمية، وأخرى غير رسمية؟ من الذى أوصلنا لمرحلة الدولة الموازية والإعلام الموازي؟ وإلى متى يظل مواطنون يتعاملون باستخفاف وتشكك مع وسائل الإعلام التقليدية من صحف ومجلات قومية وخاصة، بدعوى أنها «رسمية» أو «تابعة للدولة»، وفى المقابل، يصدقون رسائل صوتية ركيكة مجهولة على «واتساب» لسيدات يحثنهم على النزول إلى المولات والسوبر ماركت لشراء أكياس الأرز والمكرونة «بأعداد محددة» لتخزينها، وإخلاء أرفف المحلات من السلع، ثم يهرع الناس إلى المولات لتنفيذ ما جاء فى هذه الرسائل بالحرف؟!
هل هؤلاء مواطنون مسئولون؟
حتى من استنكروا هذا السلوك، فعلوا مثلهم!
لم يعد ممكنا أن نستمر هكذا، ولم يعد يكفى أن نسمع نفيا أو تكذيبا للشائعات من الوزراء أو المسئولين أو المتحدثين الرسميين للوزارات والهيئات، ولكن أصبح لزاما على هؤلاء الوجود لمدة 42 ساعة على الفيسبوك وتويتر لنشر المعلومات والأخبار الصحيحة، والرد على أى شائعات فى وقتها، والأهم من ذلك، ضرب مصادر الشائعات نفسها.
لم يعد يكفى أن نقرأ خبرا عن ضبط ثلاثة أو أربعة بتهمة نشر الشائعات عبر مواقع أو صفحات أو جروبات معينة على السوشيال ميديا، ولكن صار لزاما أن نحاسب كل من شارك هؤلاء فى جريمتهم بـ «تشيير» الأخبار المغلوطة، والتصفيق لها، ولم يعد هناك أى مبرر يجعلنا نخشى غضب منظمات حقوقية مثل «الكتكوت المفترس» أو «الأسد المرعب» من اعتقال عشرة أو مائة أو حتى ألف، لأن تهمتهم هى الإضرار المباشر بالأمن القومي.
لم يعد يكفى أن يصدر تكذيب من وزارة الصحة مثلا لما نشرته «نيويورك تايمز» و«الجارديان»، أو لما تنشره «بى.بى.سى» و«فرانس 42» و«دويتش فيلا» يوميا عن مصر، فهؤلاء لا يخاطبوننا، وإنما يخاطبون الرأى العام العالمي، لذا، يجب أن يكون الرد عليهم هو دور سفاراتنا فى الخارج، لا دور وزارة الصحة، ولا الإعلام المصرى. وكنت أتمنى أن تكون سفارتنا فى واشنطن أو سفارتنا فى لندن قد أرسلت ردا أو تكذيبا لما نشر فى الجارديان وفى نيويورك تايمز، لأن ما أعرفه هو أن سفارات عربية وأجنبية فى مصر تقوم وتقعد ولا ينام سفراؤها عند نشر مجرد «كلمة» تمس مصالح بلادهم فى أى وسيلة إعلامية مصرية.
حاربوا مصادر الشائعات، وأصحابها، ومروجيها، ولا تكتفوا بالنفى والتكذيب.. كفانا دلعا و«طبطبة»، وكفانا استسهالا، وتراخيا، فلم تعد لدينا رفاهية لذلك.. حاربوا الشائعات «بجد»، وبحزم، قبل أن تتكرر المصائب والفضائح.. اضربوا بقوة، ومن الآن، وفى مواطن الداء، ودون خوف، أو حسابات، وبأى قانون كان، فبالأمس أمطار، واليوم كورونا، وغدا ليبيا، وبعده ربما سد النهضة، وليس مقبولا أبدا أن نخوض أزمات وصراعات كهذه ووعينا غائب، وضميرنا فى حالة «خرف»، ورأينا العام لعبة فى أيدى الظروف، وجبهتنا الداخلية بهذه الهشاشة والسذاجة و«السبهللة» بخلاف أى بلد آخر.
يجب ألا تهزمنا الشائعات أبدا.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: