ألد أعداء نظرية المؤامرة، لا يمكن أن تمر عليه تغطية وسائل الإعلام الأجنبية للشأن التركي، بالمقارنة بالشأن المصري، دون أن يشم رائحة المؤامرة بوضوح، هذا إذا لم يكن قد رآها واضحة وضوح الشمس أمامه!
تعتدى تركيا عسكريا على سوريا، وترسل قواتها إلى ليبيا، وتقيم القواعد العسكرية فى شرق الوطن العربي، وفى غرب إفريقيا، وتعتقل عشرات الآلاف من المواطنين، وتعدل دستورها بشكل يثير السخرية، وتبتز أوروبا باللاجئين، وترعى الإرهاب فى المنطقة، ومع ذلك، تجد أخبار الشأن التركى تمر بردا وسلاما فى الإعلام الغربي، الذى يجد نفسه حريصا جدا على عرض وجهة نظر النظام التركى فى شتى هذه القضايا، فى الوقت الذى يتجنب الشيء نفسه فى حالات أخري، وأبرزها مصر، التى مشكلتها أنها تحافظ على سيادتها وأراضيها واستقلالها وأمنها، وتحارب الإرهاب والفوضي، بأوامر شعبها، دون أن تعتدى على أحد، ودون أن تبتز أحدا، ودون أن تنتهك القوانين، وتؤذى جيرانها، أو تختصمهم.
فى الفترة الماضية، وحتى قبل ذلك، تعمدت وسائل الإعلام الأجنبية الشهيرة نشر البيانات والأرقام والمبررات التى تروج لها وسائل الإعلام التركية الرسمية حول انتهاكات نظام أنقرة لحقوق الإنسان والتعبير، والتى لا تقارن بأى شيء يحدث فى أى دولة أخري، وكذلك تدخلات هذا النظام فى شأن السلطة القضائية لديه، وتلاعبه باستقلاليتها من أجل اضطهاد خصومه والتنكيل بهم، حيث يتعامل الإعلام الرسمى التركى مع تلك الجرائم على أنها دفاع عن النفس من جانب رجب طيب أردوغان، فى مواجهة المتآمرين ضد الشعب التركي.
وتقوم وسائل الإعلام المشار إليها بنقل كافة تلك الأكاذيب حرفيا، متجاهلة استغاثات الحقوقيين والمعارضين «الحقيقيين» الذين يعانون من جرائم أردوغان ضدهم، فى حين أن الإعلام نفسه يحرص عند متابعة وتغطية أنباء وشئون مصر على نشر تقارير الجمعيات الحقوقية المشبوهة التى تمتلئ بالعديد من الافتراءات والمغالطات المسيئة لصورة الدولة المصرية، دون منح أجهزتها الرسمية فرصة عادلة للتعقيب أو التفنيد، فى دلالة جديدة على مدى انحياز تلك الوسائل وخدمتها لأجندة بعيدة تماما عن أسس المهنية والمصداقية التى تزعم أنها تتبناها.
ظهر ذلك بوضوح، وبشكل فج، فى التقرير الذى بثته وكالة «رويترز» مثلا بتاريخ 19 فبراير 2020 تحت عنوان «الرئيس التركى يصرح بأنه يتعين التحقيق مع المعارضة الرئيسية فى البلاد لصلاتها المحتملة بجولن»، فى إشارة إلى رجل الدين فتح الله جولن المقيم فى الولايات المتحدة.
فعلى الرغم من أن تصريح أردوغان حول «محاكمة المعارضة»، لم يكن تصريحا طبيعيا، وفقا لما هو معتاد بالنسبة للعقل البشري، أو لتغطيات وسائل الإعلام لأى تصريحات أو قرارات، فإن رويترز لم تعقب ولم تعلق، وعرضت وجهة نظر نظام أردوغان بكل عناية، فحسب.
والأمر نفسه حدث فى خبر بثته وكالة «أسوشييتدبرس» بتاريخ 20 فبراير بعنوان «محام يدعى أن إيطاليا لا تستطيع توجيه الاتهام إلى الربان المتهم فى قضية الأسلحة المتجهة إلى ليبيا»، حيث تركت الوكالة هذه الجريمة دون تعليق، ودون خلفيات تشرح تاريخ دعم أردوغان ونظامه للإرهاب فى ليبيا وغيرها.
وبطبيعة الحال، فعلت البى بى سى الشيء نفسه فى تغطيتها لخبر بتاريخ 19 فبراير عن تأجيل الحكم فى قضية نشطاء أتراك متهمين بارتكاب أعمال إرهابية»، حيث لم تصفهم البى بى سى بالمتشددين، ولا بالمعارضين، كما يحدث فى تغطيتها للشأن المصري، على الرغم من أن أحد الذين يحاكمون فى القضية هو الرئيس السابق والمدير السابق لمنظمة العفو الدولية!
بعد كل هذا، لا تلوموا تركيا على «بلطجتها» فى سوريا وليبيا والعراق وأوروبا، ولا تتحدثوا عن سر هذا الصمت الأوروبى والعالمى على جرائم تركيا ضد اللاجئين، أو ضد أى دولة فى المنطقة، قبل أن نعرف الإجابة على سؤال «لماذا هذا الانحياز الإعلامى الدولى لجرائم أردوغان»؟!
رابط دائم: