من برجها العاجي، وعالمها الافتراضي، تصر وسائل الإعلام الأجنبية علي نقل صور مغايرة للواقع عن الشأن المصري لتضليل الرأي العام العالمي، منتهزة فرصة بث أي خبر أو أي تقرير عن مصر، ولكن دون أن تتمكن من إقناع أحد علي ما يبدو حتي يومنا هذا، بوجهة نظرها، بدليل موقف جموع المصريين من ثلاثة أحداث مهمة وقعت خلال الفترة الماضية، أولها ذكري أحداث 25 يناير 2011، والثاني ذكري تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن السلطة في 11 فبراير 2011، والثالث رحيل مبارك نفسه، والذي نعاه المصريون، سواء من اتفق مع سياساته أو من اختلف معها!
لم يعجب وكالة «رويترز» علي ما يبدو أن يتناول الجانبان المصري والأمريكي مثلا، في اللقاء الذي جمع بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، جميع أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين بصورة طبيعية، واختارت فقط التركيز علي جزئية واحدة، وهي أن بومبيو أعرب للسيسي خلال اللقاء عن غضبه بشأن «الوفاة» غير المبررة والمأساوية للمواطن الأمريكي مصطفي قاسم في مصر، وذلك علي الرغم من أن البيان الصادر عن الرئاسة المصرية وقتها لم يشر إلي هذا الموضوع، الذي حتي وإن كان قد تمت مناقشته في اللقاء، فبالتأكيد، تمت مناقشة عشرات الموضوعات الأخري والأكثر أهمية غيره خلال اللقاء نفسه!
ولم يعجب وكالة «أسوشيتدبرس» للأنباء أيضا أن يصف الرئيس السيسي مصر بأنها باتت «واحة للأمن والاستقرار»، وأصرت في تقرير مطول لها علي تفنيد هذه العبارة، وكأنها تسبب لها أوجاعا شخصية، لتصور مصر في حكم السيسي علي أنها تحولت إلي دولة قمعية، باسم محاربة الإرهاب، بل وذهبت إلي نشر تصريحات مطولة للغاية علي لسان مصدرها الدائم محمد زارع الناشط في مجال حقوق الإنسان يقول فيها إن المسئولين في مصر يصرون دائما علي نشر رواية تفيد بأن 25 يناير 2011 كان نتيجة لمؤامرة من «الإخوان» وحلفائهم الإقليميين، وبالتحديد تركيا وقطر، وذهب الأمر إلي حد وصف مبارك بـ«الديكتاتور» ، وهو وصف لا يمكن استخدامه في وسائل إعلام أجنبية هكذا بكل سهولة، لأنه يحمل توصيفا ورأيا ينزع من التقرير الإخباري صفة الحياد والموضوعية تماما، بل إنها لا تستخدم مثل هذا الوصف تجاه قادة سابقين وحاليين يستحقون هذا الوصف باقتدار!
ولم يعجب شبكة «سي.إن.إن» الأمريكية أيضا الزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس السيسي إلي لندن قبل أكثر من شهر من الآن، حيث أصرت علي تجاهل كل ما دار في الزيارة من أحداث ولقاءات وقمم ثنائية ومتعددة في إطار اجتماع «بريطانياــ إفريقيا»، وكان كل همها التساؤل حول سبب زيارة السيسي لبريطانيا في ظل ما يثار عن سجل حقوق الإنسان في مصر، علما بأن هذا الموضوع بالذات لم يتم التطرق إليه علي الإطلاق خلال فترة الزيارة من بدايتها وحتي نهايتها!
ولا شك في أن ابتعاد التغطية الإعلامية للشأن المصري عن الأحداث الرئيسية، ينزع عنها صفة الموضوعية والحيادية تماما، بدليل أن ذلك يتزامن دائما مع محاولات تغيير الحقائق الواضحة للعيان، والزعم بأن السيسي والقوات المسلحة والدولة المصرية يحاربون حركة تمرد إسلامية خاصة في شبه جزيرة سيناء، متناسية عمدا أن الإسلام بريء من تلك العصابات، وأن الشعب المصري لفظها أمام أنظار العالم كله في 30 يونيو 2013.
وبالطبع، تسعي وسائل الإعلام من هذا النوع ومن خلال هذا المصطلح إلي إضفاء صفة المشروعية علي جرائم الإرهاب، تماما كما تحاول إضفاء صفة المشروعية والدفاع عن النفس علي جرائم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فهي تبرر إرهاب سيناء بأنه مجرد «حركة تمرد»، وهو ما يتفق مع محاولة حقوقيين مشبوهين توصيف تلك الجرائم بأنها «احتجاج مسلح»، وذلك في تشويه متعمد لمعني قضية حقوق الإنسان.
والمثير للاشمئزاز حقا أن ما تبثه وسائل الإعلام العالمية هذه من مصطلحات وسموم، لا يتوافق لا مع آراء الأغلبية الساحقة من المصريين أنفسهم، ولا حتي مع سياسات الدول الأخري التي تتعامل مع مصر بما يليق بها، ولا مع ما يجري علي الأرض من أحداث.
ونظرة واحدة متأنية إلي الشوارع الخالية في مصر يوم 25 يناير 2020، ومرور ذكري تنحي مبارك في 11 فبراير 2020 دون أن يتذكرها أحد، ثم إلي مشاهد جنازة وعزاء مبارك، لهي كافية لكي تبرهن لنا أن هذه الوسائل الإعلامية تعيش في معزل عن الواقع، داخل سجن ضيق تحيط به قضبان من أصحاب المصالح الخاصة والأجندات المشبوهة، إن لم يكونوا أسوأ من ذلك.
رابط دائم: