تشعر وكأن المصريين «اتكهربوا»!
لا أعرف ما هذه الشحنة الزائدة التى أصابتنا؟ وجعلتنا لا نطيق بعضنا البعض؟ هل هى ضغوط الحياة؟ هل هى التكنولوجيا الحديثة؟ هل هى الموبايلات؟ أم هى السوشيال ميديا تحديدا؟
آم ربما سحابة كهرومغناطيسية تمر فى سماء مصر دون غيرها تجعلنا غير باقى شعوب الأرض؟!
هل هو «التاتش» «الينايرجى» «الألتراساوى» الذى طرأ علينا، فجعلنا نعشق الفوضى وانتهاك القانون والسب والقذف والبذاءة والرداءة، لتحل هذه الصفات محل طيبة المصريين وحضارتهم وأخلاقهم؟
لا أحد يعرف! ربما كل ما سبق!
كله معترض على كله، كله ناقم على كله، كله «بيشتم كله»، لا سقف واضحا للكراهية، ولا حدود للتنمر على بعضنا البعض.
القانون مكروه، والمكروه أكثر هو من يطبقه.
التطوير والتحديث والتحسين منبوذ، والمنبوذ أكثر هو من يفكر فى أى تطوير أو أى تحسين فى أى مجال.
المواطن كل غايته انتقاد ما حوله، دون أن يفكر مرة فى أن يسأل نفسه «ماذا قدم هو»؟
الرئيس نفسه أكثر من انتقدوه.
حارب الإرهاب، اتهموه بالقمع، أنشأ المدن الجديدة، اتهموه بالتبذير، رسم الحدود مع جيرانه اتهموه بالبيع والتفريط، أقام الإسكان اللائق، سخروا من السجادة الحمراء، أقام الطرق والكبارى قالوا: «وهل سنطعم أبناءنا طرقا وكباري»؟!
لا أتحدث عما تقوله أبواق الإخوان فقط، وإنما عن أناس عاديين للأسف.
أكثر المسئولين تعرضا للسخرية والتنمر والشيطنة والإفشال المتعمد هم أكثرهم اجتهادا.
طارق عامر اتهموه بالفشل، ثم اجتاز أزمة نقدية خانقة، واختير ضمن أفضل محافظى البنوك المركزية عالميا.
غادة والى اتهموها بأبشع الاتهامات، إلى أن اختيرت فى منصب دولى رفيع.
وزير النقل نصبوا له الفخاخ منذ اليوم الأول له، واتهموه بالقسوة على الغلابة، لمجرد أنه حاول إعادة الانضباط لقطارات خاسرة، يعتقد البعض أنها خدمة مجانية!
وزير التعليم، تحاربه مافيا السناتر والدروس الخصوصية وجروبات «الماميز» لأنه تجرأ وحاول إصلاح تعليم غبى لا يبكى عليه إلا فاشل أو فاسد. وزيرة الصحة انهالوا عليها بالشائعات، وحملوها خطايا عقود، وأول من حاربها بنو جلدتها، رغم أن ما تحقق فى عهدها لم يتحقق فى عهد أى وزير صحة من قبل.
الفن، الذى كان يوصف بأنه «خميلة»، وأهله «أزهارها»، لم يعد لا خميلة، ولم يعد أهله أزهارها، فكله «بيكسر فى بعضه»، والكراهية سيدة الموقف، والجمهور إما يبحث عن الهبوط والخروج عن النص، أو «بيخانق دبان وشه»، فلم يعد يكتفى بالدعوة لمقاطعة فنان على أعماله الرديئة، وإنما إلى معاقبته وإفلاسه وإعادته فقيرا كما كان!
وفى كرة القدم، كله فوق القانون، وفوق المساءلة، وفوق الجميع، وإدارات الأندية تدار بعقليات الألتراس، إلى أن كرهنا كرة القدم المحلية كلها، وصرنا نتمنى إيقاف النشاط الكروي، حتى ولو أدى ذلك إلى تضرر الأندية، وتسريح اللاعبين، وتحولهم إلى «عواطلية»، وعودة كل واحد منهم إلى مهنته الأصلية كما حدث فى فيلم 4-2-4 .. «إللى يكويها، واللى يفردها، واللى يشمعها»!
وفى الصحافة والإعلام، «الفولت» أيضا مرتفع جدا، فلم يعد هناك من يطيق الآخر، ومن يعترف بالآخر، ومن يتمنى النجاح للآخر، وصار من يتكلمون أكثر ممن يعملون، إلى أن أنزلنا المهنة من عليائها، ونزلنا معها لسابع أرض، ونذرف عليها الآن دموع التماسيح!
انظروا لما حدث عند تطوير الزمالك ومصر الجديدة، وكيف تعامل بعضنا مع المشروعات الجديدة بعدوانية وكأنه الحاكم بأمر الله، أو كأنه حاصل على نوبل فى الهندسة، رغم أن هذا لا ينكر وجود أصوات معارضة محترمة تستحق أن نستمع إليها، وهذا موضوع حديث منفصل.
حتى مجدى يعقوب ومحمد صلاح اللذين لا نملك غيرهما، كان لهما نصيب من هذه «الكهربة»، التى وصلت إلى درجة تكفير الأول والتشكيك فى وطنية الثاني!
لا أقصد من كل هذا الكلام أن نتحول جميعا إلى neM seY، وهم الموافقون على كل شيء على طول الخط، فالنقد مباح، والاعتراض متاح، والنقاش مطلوب فى كل قضية، ولا أحد فوق النقد أو المساءلة، ولكن أن نشعر بأن المصريين كلهم تمت كهربتهم بفعل فاعل، وفى توقيت واحد، أو أن جميعهم «واقفون فى زور بعض» بهذه الصورة التعطيلية والتدميرية، فهذا شيء لا يطاق، ولم يعد هناك شعب فى العالم يعيش فى أجواء متأزمة و«متشيطنة» بهذه الصورة كما يحدث عندنا.
... «كهربا» ليس اسم لاعب، بل وصف لمجتمع!
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: