لم تشأ مصر إنهاء عام رئاستها للاتحاد الإفريقى إلا أن يكون الختام بنفس قوة البداية.
عام كامل من الإنجازات غير المسبوقة فى تاريخ إفريقيا لم يكن من الممكن أن تغلق مصر صفحته إلا وقد وضعت القارة يديها على الجرح الذى يهدد أمنها واستقرارها، ولن تفلح دون معالجته جذريا لا مساعدات ولا استثمارات، مهما خلصت النيات. قبل تسليم الرئاسة الدورية للاتحاد إلى جنوب إفريقيا، جاء الاقتراح المصرى بضرورة تشكيل قوة إفريقية لمكافحة الإرهاب.
ولكى لا يكون الكلام مرسلا، فقد ترافق هذا الاقتراح مع دعوة مصرية إلى عقد قمة إفريقية فى القاهرة قريبا لدراسة الأمر، مع البدء فورا فى بحث ترتيبات عقد هذه القمة مع رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا.
الدعوة جاءت فى موعدها تماما، والأهداف والنتائج والمكاسب المرجوة منها لا تعد ولا تحصي.
فهى أولا، أكدت أن الجهود التى بذلتها مصر فى رئاستها للاتحاد الإفريقى لن تكون نهاية المطاف، وإنما سيكون دورها فاعلا ومؤثرا فى القارة فى أى وقت، وتحت أى ظروف.
وثانيا، أضفت دعوة المؤتمر قوة معنوية هائلة لاقتراح تشكيل القوة، بحكم أنه أصبح بالضرورة على رأس الاستحقاقات التى يتعين على رئاسة الاتحاد الجديدة العمل عليها ومنحها أولوية.
وثالثا، تندرج فكرة عقد مؤتمر القاهرة، وبحث تشكيل قوة إفريقية لمواجهة الإرهاب، ضمن إطار المبدأ الذى ترسخ طيلة عام الرئاسة المصرية لإفريقيا، وهو «حلول إفريقية لمشكلات إفريقية»، بعيدا عن التدخلات الخارجية.
ورابعا، تقطع فكرة إنشاء قوة إفريقية مشتركة، لمواجهة الإرهاب تحديدا، الطريق أمام القوى الإقليمية التى تسعى إلى مد نفوذها نحو أطراف القارة، وبخاصة تركيا التى تبحث عن موضع قدم لها، تارة فى السواحل الليبية الشمالية، وتارة أخرى فى منطقة القرن الإفريقى والبحر الأحمر، وربما أيضا فى غرب إفريقيا، حيث تنشط جماعات إرهابية من أهم أهدافها التوسع شرقا.
وخامسا، سيكون توحد قارة إفريقيا وراء هدف محاربة الإرهاب فرصة ذهبية أمام دول القارة للاتفاق على مجموعة إجراءات وآليات لقطع شرايين تمويل الجماعات المتطرفة التى تأتى من دول إقليمية أيضا، وكذلك محاربة منصات الفكر المتطرف التى تنشط باسم الحريات وحقوق الإنسان، وتحميها منظمات مدفوعة بأغراض مشبوهة.
وسادسا، ستكون دعوة القاهرة فرصة غير مسبوقة أيضا لإعادة فكرة صياغة تعريف دولى محدد وواضح للإرهاب، بعد أن فشل المجتمع الدولي، عن قصد أو عن سوء قصد، فى القيام بهذه الخطوة منذ عقدين على الأقل، مما تسبب فى خلط المفاهيم، وحدوث الفوضى التى نراها فى استخدام مصطلحات الإرهاب والمعارضة السياسية والمقاومة المشروعة .. إلخ.
وسابعا، من المنتظر أن تكون قوة مكافحة الإرهاب فى إفريقيا شديدة الواقعية، حتى بالمفاهيم الدولية، نظرا لما صار متفقا عليه فى مختلف الأوساط الدولية من وجود ارتباط وثيق بين انتشار الإرهاب وانعدام الأمن والسلم، وتأثير ذلك على زيادة الصراعات المسلحة، والفقر والمرض، وبالتالي، تعطيل جهود التنمية، ومن ثم تفاقم ظاهرة الهجرة غير المشروعة.
أما ثامنا وأخيرا، فسوف يكون إظهار التماسك الإفريقى فى محاربة الإرهاب أكبر داعم لجهود جذب الاستثمارات الأجنبية للقارة، ولعملية تحديث البنى التحتية، وأيضا لمنظومة التجارة القارية الحرة التى انطلقت فى ظل الرئاسة المصرية، وهو ما يصب بدوره فى أجندة تنمية إفريقيا 2063.
مبدئيا، الرئيس السيسى اقترح فى أديس أبابا أن تكون القوة المقترحة بمعرفة مجلس السلم والأمن الإفريقي، على أن تعرض الفكرة على هيئة مكتب القمة فى أقرب وقت، مؤكدا أنه على ثقة فى قدرتنا, كأفارقة, على تغيير الواقع وصياغة مستقبل أفضل يضع القارة فى مكانها المستحق. ومع ذلك، ورغم كل ما سبق، تبقى الفكرة حلما يواجه تحقيقه كثير من الصعوبات، وبخاصة تحدى التمويل، وإن كان هذا يمكن التعامل معه بآليات محددة يتم الاتفاق بشأنها لإدماج دول كبرى فى العملية برمتها بعيدا عن أى تدخلات سياسية، ولدى القارة الآن تجارب يمكن الاستفادة منها، فهناك تجربة أمريكية شرقا، وفرنسية غربا.
ولكن، على شعوب وحكومات الدول الإفريقية العمل بإيقاع سريع فى هذا الملف، لأن رفاهية الوقت غير موجودة، فالقاعدة والإخوان وداعش ينشطون فى ليبيا ومالي، وحركة الشباب تنشط فى الصومال، وبوكو حرام تتوغل وتمتد فى نيجيريا وغرب إفريقيا، وميليشيات وحركات تمرد هنا وهناك تستخدم العنف لتحقيق أغراض سياسية.
وآن الأوان أن يتوقف كل ذلك تماما، ونهائيا، ولتكن البداية الآن، وليس غدا.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: