فى السودان مرت الأمور بسلام، وقبل ذلك فى تونس، وقبلها تجاوزات هنا وهناك، «عادى جدا»، فالأمر فى النهاية «رياضة» ومن يقوم بهذه التصرفات قلة قليلة، وفئة منحرفة، لا تعبر عن شعوب هذه الدول الشقيقة، ولا عن مواقفها الرسمية، ولا تعرف قيمة مصر.
كما أن مصر أيضا كبيرة، وفوق كل الصغائر، ولا ترد الإساءة بمثلها، وتضع كل شيء فى حجمه.
ولكن السؤال: «هل صحيح أن بعض الأشقاء يكرهوننا»؟
إذا كانت الإجابة بـ«نعم»، فلماذا كل هذه الكراهية؟ وإذا كانت بـ«لا»، فلماذا كل هذه المشاعر البغيضة التى يبديها لنا بعض الأشقاء؟ وما هو سببها؟ وما مصدرها؟ حتى وإن كانت حالات فردية، أو محدودة؟
«لماذا يكرهوننا».. سؤال طرحه الأمريكان بعد هجمات سبتمبر 2001، عندما اعتقدوا خطأ أن العالم بكامله يعاديهم، وأن العالم الإسلامى تحديدا حاقد عليهم، ولكن ماذا عن مصر؟ ماذا فعلت؟ ولماذا الأشقاء تحديدا؟
هل هو حقد؟ أم حسد؟ أم إحساس بالنقص؟ أم هي كراهية فطرية؟ أم حالة مرضية لدى البعض، سواء كان هذا البعض عشرة، أو ألفا، أو مليونا، فجميعنا يوقن تماما بأن الأغلبية العظمى من أبناء عروبتنا يعشقون مصر، بل ويتنفسونها، ويتنسمونها، ويعتبرونها «الكبير» والقدوة، والأولى دائما، والجدار الأخير، وهى بالفعل كذلك، وأعرف تماما أن هناك من أبناء عروبتنا من يفخر بأنه «تربية مصاروة»، أو يميل للثقافة المصرية، أو من لا تزال صورة عبدالناصر تزين حائطه، أو من يتذكر والده أو جده أنه نال شرف حضور حفل لأم كلثوم، ولكننا مع ذلك، ما زلنا نشعر بأن الأقلية الكارهة لمصر قوية وفاعلة ومؤثرة.
لماذا صرنا نرى من يتصيد لنا الأخطاء، ويتمنى لنا السوء، وينكر علينا فرحتنا، ومن لا يعجبه العجب فى كل ما هو مصري؟ هل هو مرض نفسى مثلا؟ أم أنه التحالف الشيطانى الكريه بين لوبى كراهية مصر فى الخارج، وبين كارهى مصر فى الداخل، الذين قالوا قبل ذلك «طظ فى مصر» و«الوطن حفنة من تراب»، وتعهدوا بالقتال بجانب أردوغان إذا قامت حرب بين مصر وتركيا؟
لن أتحدث عن مزايا مصر، وعن قوتها السياسية والحضارية والتاريخية والسكانية، والعسكرية، ولا عن قوتها الناعمة أيضا، فكل هذه الجوانب حقائق مطلقة، ولكنها مع ذلك موضع هجوم مستمر من جانب هؤلاء للأسف الشديد.
«الريادة» ذاتها محل إنكار وتشكيك حتى يومنا هذا.
تراجع الدور المصري «كليشيه» أبله يتم تدويره كالنفايات.
كل خطوة لنا إلى الأمام قابلوها بالسخرية والاستهجان، شككوا فى نصر أكتوبر، اتهمونا ببيع القضية، طعنونا فى شرفنا وكرامتنا، وصفونا بأبشع الألفاظ، قالوا عن السلام خيانة، اتهموا عبدالناصر بمعاداة الإسلام، واتهموا السادات بالخيانة.
وحتى يومنا هذا، لا تسلم مصر وقيادتها وجيشها وشعبها من ألسنتهم، خططوا لحرق مصر من قبل، وصفقوا وطبلوا لتدميرها وخرابها، وقت أن كان الحرم المكى يهتز بدعاء المصلين لله سبحانه وتعالى لأن يحفظ مصر، أفراحنا أحزان لهم، ومصائبنا فرصة ذهبية للشماتة والشتيمة وقلة الأدب.
مرة أخرى، بل وعاشرة، أتحدث عن قلة، ولكن قلة نافذة، صوتها مسموع، وتأثيرها مرئى ومحسوس، ومن لا يصدق، أمامه صفحات السوشيال ميديا: تقوى مصر جيشها، يقولون لماذا لا تحارب إسرائيل؟ تعانى مصر اقتصاديا، يعايروننا بفقرنا، ننهض بالاقتصاد، يقولون إننا نستدين ونتسول، نخسر مباراة رياضية، يقولون إن مصر فاشلة ومتراجعة، تفوز فى مباراة أخرى، يقولون «يعنى حررتم القدس»؟!
الفن المصرى هابط، وأم كلثوم سبب النكسة، وعادل إمام أفلامه تافهة، والمصريون ليس لهم إلا فى الرقص، ومهرجانات وبرامج ومسابقات تنفق عليها المليارات خصيصا لوضع مصر فى المركز الثانى أو الثالث!
الأزهر أيضا شككوا فيه وفى مشايخه، وفى فتاواه، واتهموه بالتفريط فى الدين ومحاباة السلطان. والله العظيم، حتى أساطير قراءة القرآن الكريم من المصريين أنفسهم لم يسلموا من الأذية!
تستمع إلى رفعت ومصطفى إسماعيل والمنشاوي، فتجد على يوتيوب من يتهمهم بالتغنى فى القرآن، بل وتجد من يصل إلى مرحلة التنطع إلى درجة توجيه اللوم والسخرية إلى من يقول الله من ورائهم إعجابا بتلاواتهم، بدعوى أن ذلك ليس من آداب الاستماع إلى القرآن!
هذا لأنهم فقط مصريون!
.. أين نذهب إذن؟!.. وماذا نفعل كى يرضى عنا لوبى المرضى النفسيين هذا، سوى أن ندعو الله لهم بالشفاء، رغم علمنا بأن مسببات مرضهم ما زالت مستمرة، وستبقى دائما أبد الدهر؟!
ودائما .. «المسامح كريم»!
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: