يتطور الناس من حولنا بسرعات كبيرة، ونحن نسعى جاهدين لمواكبتهم، وقد قطعنا أشواطا كثيرة فى هذا السبيل، ولكن ما زال أمامنا طريق طويل، علينا إنجازه، حتى يتسنى لنا اللحاق بهم، أما إذا أردنا تحقيق هذا الانجاز فى وقت أقل، مثلما فعلنا فى مجالات أخرى، مثل الكهرباء، والعشوائيات، وغيرها الكثير، علينا استنفار كل الهمم، واتخاذ التدابير اللازمة صوب تحقيق هذا الهدف. وأبدأ بمنظومة الصحة على سبيل المثال، وهى منظومة تتطور للأفضل وفق مخطط زمنى واضح، والمستهدف الوصول لتحقيقها بالكامل لكل المواطنين فى عام 2032، وهى تراعى ظروف كل المواطنين بلا استثناء.
سيدفع المواطن 1% من دخله، وصاحب العمل 4%، ليكون كامل ما يدفعه المواطن 5%، أما غير القادرين، ستتحمل الدولة تكلفة اشتراكهم، تيسيرا على الناس، وهذا يؤكد تماما اهتمام الدولة بكل المواطنين، وحتى ينتهى تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل فى 2032، تتخذ الدولة من الإجراءات ما يؤكد دعمها الكامل المواطن، منها التكفل بعلاجه على نفقتها، فى حالة عدم خضوعه للتأمين الصحى، أو تغطيته طبيا من اى جهة أخرى، كونه بلا عمل دائم.
وهنا أقترح، من خلال وجود قاعدة للبيانات أنجزتها الحكومة، لحصر مستحقى الدعم، واستبعاد غير المستحقين، بها بيانات كاملة عن المواطن، وصلت لفاتورة المحمول الخاصة به، وكذلك استهلاك فاتورة الكهرباء، ونوع السيارة المملوكة له، ونوع المدارس الملتحق بها أولاده، وهى بيانات مرهقة للغاية، ولكن الحكومة نجحت فى حصرها، بما يعنى أن لكل مواطن قاعدة بيانات كاملة وواضحة، مسجلا عليها كل ما يتعلق به. لذلك، أليس من المنطقى أن يتم تعديل بطاقة الرقم القومى، وتحميلها بكل البيانات الخاصة بالمواطن، بمجرد تسجيل الرقم القومى الخاص به، أو تحميلها بشريحة الكترونية، مزود بها كل التفاصيل الخاصة به، مع تعديلها، سواء بالوفاة، أو الولادة، وما شابه، أولا بأول، لتبيان بياناته بدقة وشفافية.
هذا التطوير، من شأنه، مواجهة المواطن الحالات الطارئة التى قد يتعرض لها، مثل تعرضه لحادثة لا قدر الله، وما يستلزمه ذلك من تدبير علاج فورى له، وهنا بطاقة الرقم القومى ستوضح وضعه الصحى بشفافية مطلقة، ومن ثم يتم توجيهه لأقرب مستشفى، لتلقى العلاج اللازم، بعد خضوعه للتحاليل و الفحوصات الطبية التى تبين حالته الصحية وظروفه المرضية، ويتم تسجيل ذلك على المنظومة الالكترونية الصحية، ليتسنى للجهات المعنية إنهاء الإجراءات المالية المتعلقة بالمريض فيما بعد. وهنا يتم إسعافه بالسرعة المطلوبة، دون الدخول فى تفاصيل بيروقراطية معقدة، قد تودى بحياته، لاسيما أن الدولة تكفل علاجه ورعايته على نفقتها، فى حالة عدم خضوعه لأى غطاء طبى، سواء بالتأمين الصحى، أو من جهة عمله.
أمر آخر، لايقل أهمية عن سابقه، عندنا مقولة دارجة نكررها دوما «القانون لا يحمى الجهلاء به» ولأننا استطردنا فى سن عشرات بل مئات القوانين، بغرض تنظيم العلاقة فيما بيننا، لحفظ حقوق الناس، الأمر الذى يحتم وجود عدة درجات من التقاضى، حتى لا يُهدر حق أحد، إلا أن المثير فى الأمر، عندما تأخذ حكما نهائيا على أحد بأحقيتك فى مبلغ من المال، نتيجة تعاملك مع المحكوم عليه، وهذا الحكم تم، بعد استنفاد كل درجات التقاضى التى تؤكد حقك، ووقت أن تشعر بأن حقك قد عاد إليك، تكتشف أنه لابد من السير فى طريق طويل ومضن لأخذ حقك، وقد لا تأخذه، من خلال السير فى إجراءات قانونية معقدة للغاية؛ تبدأ ببذل جهود صعبة، لتثبت أن خصمك يمتلك ما يجعله يسدد مالك!.
ونحن هنا، نكتشف أن هناك أعدادا يصعُب حصرها لمثل تلك الأحكام، والناس تلهث لتنفيذها ولا تستطيع، وكأننا نكافئ المحكوم عليه بفعله فى سلب حقوق الناس، أما إذا كانت هناك بيانات كاملة لكل الناس، بكل ممتلكاتهم، وكذلك أرصدتهم فى البنوك، وأيضا بما عليه من أحكام، أيا كان نوعها، عندها يمكن سن تشريعات جديدة، تمكن القضاء من شل حركة المحكوم عليهم تماما، حتى يؤدوا ما عليهم من حقوق. وكذلك يمكن تطبيق الأمر فى مناح أخرى، مثل تراخيص السيارات، وقد قطعنا فيها شوطاً معتبراً، يتبقى التيسير فى إجراءات الفحص. أما الأكثر احتياجا، فهو ما يتعلق بالأحياء، إذا أردنا محاربة فسادها، فلو وفرنا قاعدة بيانات قوية لكل الوحدات سكنية وتجارية، فى كل أحياء ومدن الجمهورية، شاملة كل بياناتها، وقتها لن يكون هناك مجال للفساد، فستتضح المخالفات وتكون ظاهرة وجلية للعلن، وقتها يسهل معرفة المتواطئ، لأنه سيكون مقصرا فى أداء عمله، وأيضا وقتها، سيعلم المواطن بيانات تلك المخالفات، وسيكون عنصراً فعالاً فى محاربتها.
تلك الأمثلة السابقة الخاصة بوجود قاعدة بيانات قوية عن كل مواطن مصرى، مسجل عليها كل ما يتعلق به، من شأنها التيسير على الدولة والمواطن فى آن واحد، وهى تحفظ لكل الناس حقوقهم، وتُمكن الدولة من التعامل مع المواطنين، بيسر و شفافية مطلقة، تضمن تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية على الجميع. أما دون ذلك فنحن ندور فى دوائر مفرغة، بلا طائل، سوى ما نبذله من جهد مرهق، مثل الجهد المبذول فى الحرث فى الماء، خاصة أننا نملك من الإمكانات البشرية والتكنولوجية، ما يمكننا من تنفيذ تلك المقترحات.
[email protected]لمزيد من مقالات عمـاد رحيـم رابط دائم: