فى الصين، يأكلون كل شيء، وأى شيء، وها هم يدفعون الثمن غاليا!
الصينيون يقولون إن أى شيء يعيش بين السماء والأرض يصلح لأن يكون طعاما لهم.
.. لك إذن أن تتخيل.
طبعا، لا نتدخل فى أذواق الشعوب، ولا فى خصوصياتها، ولكن التجارب تقول إن أصعب ما فى زيارة الصين حقا أن تجد أكلة مناسبة، وبخاصة إذا ابتعدت عن المدن الرئيسية، وانتقلت إلى المناطق الريفية.
الصينيون أنفسهم يعرفون ذلك، ويسعون دائما لإبعاد الغرباء عن تناول مأكولاتهم التقليدية المحببة، ويحذرونهم من عدد كبير من المأكولات التى يمكن أن يكون تناولها خطرا عليهم، خاصة تلك التى تحتوى على لحوم غريبة أو كميات هائلة من المواد «الحراقة»، صحيح أن المأكولات الأخرى متوافرة، ولكن بها أكثر من مشكلة، فالطعام «الحلال» أو المذبوح على الطريقة الإسلامية منتشر فى بكين والمدن الصينية الكبري، ولكن خاماته وجودته ليست كتلك التى نتناولها فى بلادنا، كما أن أسعار هذه الأكلات أو الأطباق باهظة للغاية، لأنها نادرة، تماما مثلما يحاول أحدنا فى مصر تناول أكلة صينية أو يابانية مثلا.
ومطاعم الأكلات السريعة «العالمية» أيضا موجودة وبكثرة، ولكن الصينيين لا يقبلون عليها، ولا يحبونها، وقد يكون الأمر سببه مجرد إحساسهم بأنها نوع من «الغزو الثقافي» الذى يتعين عليهم مقاطعته، أو لأنها لا تقدم الأكلات التقليدية التى يحبونها.
حتى سلاسل المحال التجارية الشهيرة، يمكنك أن «تتوه» بداخلها، وتصاب بالحيرة، لأن معظم المنتجات التى تباع بداخلها غريبة الشكل، والرسوم أو الصور الموجودة على المعلبات لا تثير الارتياح على الإطلاق، ومنها أشياء وكائنات كتلك التى شاهدناها فى فيلم «فول الصين العظيم»، والأغرب من ذلك أن الركن المخصص للخضراوات والفواكه فى هذه المتاجر به أنواع من الثمار، يستحيل أن تجدها فى أى مكان غير الصين.
والسبب الرئيسى الذى يدفع الصينيين لتناول هذه «الأشياء» الغريبة ليس المزاج وحده أو «التعود»، وإنما توجد أصناف بعينها يؤمنون بأن تناولها من مظاهر الرجولة، وأنها على تقوية المناعة وتنشيط الجسم، وأحيانا الفحولة، كما أن البيئة الصينية والتنوعات التضاريسية والمناخية بها تعطى الفرصة لزراعة وتربية أصناف وأنواع لا نهائية من النباتات والحيوانات، بخلاف أى مكان آخر فى العالم.
وربما كانت الميزة الكبرى فى الطعام الصينى هو أن الصينيين لا يتناولون وجباتهم إلا «جماعة»، عبر وضع أصناف الأكلات المتتالية والمتنوعة على موائد مستديرة ضخمة غالبا ما تكون قابلة «للدوران»، حتى تمر كل الأصناف على جميع الحاضرين وينتقون منها ما يشاءون، كل حسب مزاجه.
ولكن، بعد ظهور فيروس «كورونا» المتجدد، لا جدال فى أن هذه الأمور والعادات يمكن أن تتغير، لأن الفيروس ضرب العادات الصينية فى مقتل، خاصة بعد ما نشرته وسائل إعلام أجنبية من معلومات تؤكد أن المرض القاتل بدأ أصلا فى سوق للحيوانات فى «ووهان» كانت تبيع لحوم الثعابين والفئران والذئاب والثعالب والخفافيش، بل ويقال إن بداية انتشار الفيروس كانت بسبب طبق لحم «خفاش» تناولته سيدة فى تلك المنطقة.
ويقول علماء من المركز الصينى للسيطرة على الأمراض والوقاية منها إن الاختبارات الطبية أثبتت أن البشر أصيبوا بالفيروس من الحيوانات فى هذه السوق بالذات، عبر لحم حيوان مصاب بشيء أشبه بالالتهاب الرئوي، والنتيجة، أن الفيروس أودى حتى الآن بحياة 80 شخصا، وأصاب أكثر من ثلاثة آلاف، وبدأت حالات تظهر فى دول أخري، والخبراء يتوقعون أن يصل عدد المصابين بالفيروس فى الصين وحدها إلى مائة ألف شخص بمعدلات سريعة، رغم الإجراءات السريعة والحاسمة التى اتخذتها السلطات هناك لاحتواء الفيروس، بما فى ذلك القرار الصعب بمنع تجارة الحيوانات البرية مؤقتا، ابتداء من الأحد الماضي، وهو أشبه بقرار يمنع تداول الفول فى مصر!
والمشكلة ليست لها تداعيات صحية فحسب، فالخسائر الاقتصادية لا حصر لها، وبعيدا عن أسعار الأسهم والعملات والبترول والذهب التى اضطربت بشدة، فإن الاقتصاد العالمى كله مهدد، بسبب الذعر المتزايد فى الصين، وبدء الحديث عن إغلاق مدن وإلغاء رحلات سفر وأعمال تجارية، علما بأن الصين موجودة فى كل بقاع الأرض، فى صورة استثمارات وصناعة وسياحة، إلخ.
ومع كارثية الوضع، ما زالت الصين بقدراتها الهائلة، وبكثير من الحسم والشفافية أيضا، تبدو قادرة على مواجهة هذا العدو، الذى يضرب ثقافتها وخصوصياتها ومزاج شعبها فى مقتل.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: