أحدثت نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية مفاجآت مدوية، غير أنها جاءت مفرحة لأنصار ما يسمى بـ «ثورة الربيع العربى»، لا سيما فوز الدكتور قيس سعيد بالمركز الأول وهو الذى لا يسنده حزب أو ماكينة انتخابية، يعتبر صحوة لشباب الثورة التونسية، الذى أراد التغيير فى هرم السلطة ومعاقبة الأحزاب التقليدية، التى تعيش زلزالا كبيرا بكل أطيافها، الإسلامية والليبرالية، أما الأحزاب اليسارية فلا حظ لها يذكر فى هذه الانتخابات.
ثمة رسائل كثيرة مستوحاة من واقع التجربة الانتخابية، الرسالة الأهم موجهة لحركة «النهضة الإسلامية»، التى بدأت مسارا ثوريا، لتتحول فى خندق السلطة إلى حزب تقليدى لا يختلف عن الأحزاب الأخرى، حيث أشارت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية، التى جرت يوم 15 سبتمبر الماضى إلى تصدر المرشح المستقل قيس سعيد قائمة المرشحين، يليه المرشح نبيل القروى، فى حين حل مرشح حركة النهضة عبدالفتاح مورو ثالثا، بحسب النتائج التى أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وقد تباينت التحليلات حول الأسباب والدوافع التى أدت إلى هذه النتيجة، وانصرف اهتمام كثيرين إلى دراسة الانعكاسات المحتملة لهذه النتائج على توجهات الناخبين فى الانتخابات التشريعية، وكذلك الجولة الثانية من الانتخابات.
فقد فاجأت الانتخابات التونسية الأوساط السياسية والمراقبين فى الداخل والخارج بنتائجها التى تصدرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، والمفاجأة الأكثر أهمية هى تدنى نسبة الاقتراع فى بلد يعتبر الأكثر تعافيا فى سلم الديمقراطية.
فنسبة الاقتراع لم تتجاوز 45%، مقارنة بنسبة 63% عام 2014، ولا يجد المرء تفسيرا سياسيا لها إلا بإحالة الأمر إلى تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بعد الثورة.
أما المفاجأة الثانية فقد برزت فى تقدم مرشحين من خارج القوى الحزبية على باقى المرشحين، حيث كان من أبرز مرشحيها رئيس الوزراء الحالى يوسف الشاهد، ورئيسا وزراء سابقان، ورئيس جمهورية سابق ووزير دفاع، إضافة إلى مرشح حركة «النهضة».
وجاء تقدم الأكاديمى قيس سعيد، واحتلاله المرتبة الأولى، وهو شخص مغمور لا يمتلك برنامجا سياسيا، ولا دعاية انتخابية، ولم يدعمه حزب سياسى صادما، أكثر من حال نبيل القروى رجل الإعلام المعتقل على ذمة قضايا عدة، الذى احتل الرتبة الثانية.
ولا يختلف حال الأحزاب التى فازت فى الاستحقاقات السابقة عن حال حركة «النهضة». فقد غاب حزب «نداء تونس»، الذى فاز بانتخابات 2014 تماما، عن الانتخابات الرئاسية 2019، بعد وفاة مؤسسه الرئيس الباجى قايد السبسى، ومغادرة نجله حافظ إلى الخارج، وتشتت شمل قيادييه وأنصاره. أما حزب «تحيا تونس»، فقد حل ممثله رئيس الحكومة يوسف الشاهد، فى المرتبة الخامسة بنسبة أصوات لم تتجاوز 7%، أما وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدى، فقد حل فى المرتبة الرابعة وبفارق كبير عن سعيد والقروى.
أما أحزاب المعارضة، فمنيت المكونات اليسارية والليبرالية والوسطية بهزيمة قاسية.
مثلت النتائج الضعيفة للنخب السياسية التقليدية التى هيمنت على المشهد السياسى التونسى صدمة، وجاءت مخالفة لاستطلاعات الرأى.
وقد مثلت نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية فى تونس أيضا مظاهر أزمة مبكرة للنظام تتجسد فى تشظى الخريطة الحزبية وسوء الأداء الاقتصادى، إضافة إلى عدم الثقة بالأحزاب، فقد شهدت الانتخابات تصويتا احتجاجيا على الواقع الاقتصادى.
وبصرف النظر عن الفائز فى الدور الثانى، فإن المشهد السياسى التونسى دخل طور تغيرات عميقة، ويتجه إلى إعادة تأسيس نفسه على قواعد جديدة مختلفة كليا عن السابق. ويكمن التحدى فى أن تكون الديمقراطية التونسية التى صمدت فى جميع الامتحانات حتى الآن قادرة على استيعابها.
رابط دائم: