بعد 15 عاما على تفجيرات 16 مايو الإرهابية بالدار البيضاء، و7 سنوات على تفجير مقهى اركانة الإرهابى بمدينة مراكش، اهتز الشارع المغربي، الأسبوع الماضي، على وقع جريمة إرهابية جديدة وحشية بكل المقاييس؛ واهتزت معها صورة المغرب، الذى كثيرا ما كان، وسيبقي، أرضا للتسامح والاعتدال والتعايش وحسن الضيافة التى يلقاها كل زائر لكل شبر من هذا الوطن المضياف. سائحتان أخذتهما روح المغامرة الى جبال الاطلس الكبير، وتحديدا ضواحى مدينة مراكش، المدينة السياحية بامتياز، حيث لقيا مصيرهما المشئوم الذى قام به أربعة من عديمى الانسانية حيث قاموا بنحرهما أحياء وتسجيل مقطع الجريمة صوتا وصورة ونشره عبر مواقع التواصل، لتؤكد التحقيقات بعد ذلك أن الدافع إرهابي، وان المنفذين ليسوا سوى أحد المتعاطفين مع تنظيم البغدادي، لم يخططوا لجريمتهم مسبقا، لكنهم كانوا يبحثون عن هدف محتمل، كما أفادت مديرية الامن الوطنى المغربي. أربعة ذئاب منفردة، او وحوش بشرية، قرروا فى لحظة غفلة من السلطات الأمنية، مبايعة التنظيم الارهابي، والانخراط فى ايديولوجيته الفكرية الوحشية، واتباع عقيدته الدموية التى قادتهم إلى ذبح الضحيتين بدم بارد، لم تحركه صرخاتهن ولا توسلاتهن المؤلمة التى وجعت قلوب كل فئات الشعب المغربى الذى استنكر هذه الجريمة وطالب بإعدام منفذيها بعدما تمكنت السلطة الأمنية من اعتقالهم وهم مدججون بأسلحتهم البيضاء، التى ربما كانوا يخططون لاستخدامها فى مجزرة ثانية.
كسّرت حادثة منطقة شمهروش الارهابية الصورة النمطية بأن الإرهاب لا يضرب سوى العواصم والمناطق الحضرية المكتظة بالتناقضات المجتمعية، والعشوائيات السكنية، والعاطلين عن العمل، والحاقدين على نمط الحياة وفوارقه السافرة، لتدق ناقوس الخطر بأن الارهاب ويده الغاشمة يمكن أن تطال أيضا القرى والبوادي، وأثبتت الجريمة أن الارهاب مهما يعلُ عويله ومهما يحاول نشر الرعب داخل النفوس إلا أنه يبقى جبانا، يتوارى مرة خلف النساء ليعوض هزائمه او لينفذ عملياته. ومرة أخري، يستهدف ضعفهن ويقوم بذبحهن.. فهل هناك خواء انسانى وهزيمة نفسية أكبر من هذه؟ أما هوية الجناة، فهم شباب بين العقدين الثانى والثالث، يقيمون فى أحياء هامشية بمدينة مراكش، ويمتهنون حرفا بسيطة مثل التجارة والنجارة، لم تبد عليهم ملامح التطرف، كما صرح بذلك أقاربهم وجيرانهم، لكنهم تحولوا بين ليلة وضحاها الى أداة منفذة للإرهاب، بعدما نجح أحدهم، ممن حاول فيما قبل الالتحاق بالتنظيم فى سوريا، فى تجنيد البقية.
إن خطر الفكر المتطرف وتحوله الى فعل إرهابى هو خطر قائم ويهدد العالم أجمع فى ظل انتشار ظاهرة الذئاب المنفردة، التى قادت، فى الربع الأخير من هذه السنة فقط، الفتاة التونسية الى تفجير نفسها فى شارع بورقيبة، وقادت الشاب الفرنسى الى اضرام النار على المارة فى ستراسبورج، وهى ذاتها التى قادت الشباب المغاربة الى ذبح السائحتين الإسكندنافيتين. ومع بروز هذا النوع من الهجمات فقد أعاد تنظيم داعش النقاش حول أهمية العمليات التى تتم وفق استراتيجية اللامركزية، التى عبر عنها مهندسها الرئيسي، أبو مصعب السوري، فى كتابه دعوة المقاومة الاسلامية العالمية، حيث ينص هذا المرجع على توجيه المجندين الى الانخراط فى هجمات صغيرة، ولكن أكثر تواترا ضد أعدائهم، على أن يكون إطلاق هذه الهجمات ليس من خلال منظمة مركزية ولكن من خلال العديد من الخلايا اللامركزية (الذئاب المنفردة).
إن عناصر الذئاب المنفردة هى الأخطر على الأمن العالمى فى الوقت الراهن، بسبب تشديد الخناق الأمنى على العناصر التابعة للتنظيم وخلاياه النائمة، مقابل اتساع دائرة المتعاطفين معه من خارج الهرم التنظيمي، داخل الأوساط العربية والغربية، ما يجعل مهمة الكشف عن المشتبه بهم شبه مستحيلة، خاصة بعدما بات الإرهاب يستعين بطرق وآليات غير تقليدية، بل وبات يتخفى وراء ستار يصعب اكتشافه حتى من جانب أعتى الاجهزة الامنية. ورغم نجاح المغرب فى تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية، خلال السنوات الأخيرة، نتيجة سياسة أمنية استباقية ويقظة السلطات المعنية، وامتلاكها المعلومات الفعالة، ما مكن المكتب المركزى للأبحاث القضائية من تفكيك 52 خلية إرهابية، منذ عام 2015 إلى عام 2018، إلا أن احتمال تنفيذ عمليات من توقيع الذئاب المنفردة يبقى واردا جدا، خاصة وأن المغرب أصبح هدفا أكبر للتنظيمات الإرهابية. واذا كانت استراتيجية المغرب الخاصة بمكافحة الارهاب تقوم على منظومة من ثلاث دعامات أساسية تتمثل فى تقوية الأمن الداخلي، ومحاربة الفقر، والاصلاح الديني، ورغم نجاعتها الكبيرة، باعتراف المنتظم الدولي، فأن هذه الاستراتيجية تحتاج الى تطوير يشمل الجانب التعليمى والثقافى والاجتماعى والسياسى والتربوي، ويتماشى مع واقع الخطر الارهابى الجديد، ومع التحديات الأمنية التى تواجه المملكة، ومنها على الخصوص انتشار ظاهرة الذئاب المنفردة، وتزايد الخلايا النائمة، بالإضافة الى تحدى عودة المقاتلين الاجانب التى باتت تقض مضجع العالم أجمع.
لمزيد من مقالات وفاء صندى رابط دائم: