ما تحاولش يا سيسي!
تبنى 4 آلاف مصنع، تبنى عشرميت مصنع، تبنى مليون مصنع، لن يعجبهم.
فالمصانع رجس من عمل الشيطان، وكلمة الإنتاج عيب، وزيادة الصادرات غير مستحبة، المهم ناكل ونشرب وبس!
ما تحاولش!
تنشئ صوبات ومزارع حديثة لتحقيق اكتفاء ذاتى لبطون لا تشبع، برضه لن يعجبهم، فالزراعة موضة قديمة، ومهنة الناس الطيبين أصحاب النيات الساذجة، الذين لا يعرفون من أين تؤكل الكتف!
ما تحاولش!
تفعل المستحيل من أجل تقوية جيش يدافع عن بلد قوامه مائة مليون نسمة ليبقيه فقط على قيد الحياة وسط دول تنهار وأخرى تتآكل، وأخرى تتداعى عليها الأمم، أيضا لن يرضوا عنك!
ستجد الواحد منهم وضع ساقا على ساق ويتمطع فى جلسته، وهو كله على بعضه لا يساوى «تلات تعريفة»، ليقول لك «عاوزين ديمقراطية»!
ما تحاولش يا سيسي!
تطالب المصريين بالتقشف، يرفضون، على اعتبار أننا المفروض نعيش كهولندا أو الدنمارك أو سويسرا!
تطالبهم بالتبرع، حتى لذوى الهمم، يتعصبون، ويتأففون، على طريقة مماليك قطز الذين صودرت أموالهم رغما عنهم فى آخر الأمر لتمويل جيش مصر قبل عين جالوت!
تطالبهم بممارسة الرياضة، وبالحفاظ على صحتهم وأشكالهم، يدافعون عن كروشهم ودهونهم باستماتة، وكأنها ثروة قومية ينبغى عدم الاقتراب منها!
تفحصهم فحصا طبيا شاملا بالمجان لعلاج المرضى منهم، مثلما تفعل أى دولة من دول العالم الأول، يسخرون، ويتطاولون، ويطلقون الشائعات، ويطرحون التساؤلات العبقرية اللوذعية عن الأسباب والتمويل وإزاى وليه وعشان إيه.
ما تحاولش!
تأتى لهم بوزراء بمواصفات عالمية بحق لتطوير التعليم، والصحة، والصناعة، والطاقة، وجذب الاستثمارات والسائحين، أيضا لا يعجبهم، وينساقون وراء حملات «عصابات» السوشيال ميديا وجمهور الكوميكس!
يا ربي، ما كل هذا الاستظراف الذى أصيب به المصريون على كبر؟!
هل هذا هو نتاج صناعة «التسخيف» التى لقنوها لشبابنا مع موجات الهباب العربي؟
أعرف - والله العظيم - أن أكثر ما يميز المصريين خفة الدم، والإصرار على الضحك والفكاهة، وخاصة فى أحلك الظروف والأزمات، فنحن بلد إسماعيل ياسين وعادل إمام ومحمد صبحي، ولكن الكوميديا شيء، والتهريج من أجل التهريج والتسفيه والتسفيل بهذه الصورة، وتحديدا بهدف القضاء على معنويات من يعمل، هو أمر لا يطاق، ولم يحدث من قبل، فلم يصل بنا الأمر أبدا فى تاريخنا القديم والحديث لهذا الحد من السخف، ونظرة واحدة إلى ابتسامة الثقة والغموض والجدية على وجوه تماثيل ملوك الفراعنة القدامى تؤكد صحة ما أقول، وتؤكد للأسف «هيافة» كثيرين!
نعم، الضحك ميزة، ولكن ما يحدث الآن إفراط فى الميزة، إلى أن أصبحت إدمانا ونقيصة ومرضا.
الضحك مطلوب، والفرفشة و«النعنشة» لا اعتراض عليهما، خاصة ونحن نعيش وطأة معيشة صعبة وأسعار مرتفعة ومشكلات متراكمة لم يصنعها السيسى ولا وزراؤه، ولكن لكل شيء وقته، والضحك عمال على بطال «هبل»، والضحك فى موضع الجد «مسخرة»، والإسراف فى النكات والتهريج وحولنا دول تتساقط وتتآكل وتنهار يضعنا فى خانة «المسطول» الذى سألوه «إنت جاى تعزى ولا جاى تهزر»، فأجابهم «لأ أنا جاى أهزر»!
ألم يتعلم أحد من هؤلاء فى بيت أو مدرسة أو مسجد أن الضحك من غير سبب «قلة أدب»، أو أن كثرة الضحك تميت القلب؟
هل إهانة الناس، وشتيمة المسئولين، والكذب على الناس، والإساءة لكل من يحاول أن يعمل أو يجتهد، هو كل ما تعلمتموه من 25 يناير المباركة؟
طيب، هل رأينا من أحد منكم أى بركات أو كرامات؟
ولماذا لا تريدون الاعتراف حتى الآن أن مشكلاتنا الاقتصادية الآن التى يعافر السيسى من أجل حلها هى نتاج أعمالكم الكريمة؟!
ألا تعرفون أن المتظاهر الفرنسى الذى تطبلون له الآن وتريدون أن تقبضوا مثله يسهم فى ناتج بلاده القومى بنسبة أو بأخرى، وليس عبئا على بلده مثلكم، أو متلقيا للدعم.
هل المطلوب من كل هذا الاستظراف أن يتوقف الرجل عن العمل؟!
هل مطلوب منه أن «يمشى الأمور» ويبقى الحال على هو عليه، فلا زراعة ولا صناعة ولا صحة ولا تعليم؟!
هل مطلوب منه أكل وشرب ودلع وسحب من الاحتياطى دون أى نظرة إلى المستقبل؟!
هل المطلوب أن نصل جميعا إلى مرحلة «مافيش فايدة»؟!
ارتاحوا، لن يحدث شيء من هذا، وكلما سخرتم وتطاولتم، كلما زاد العمل، وتأكدنا أننا على حق.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: