رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى أزمة الهجرة.. مصر تقول «لا»

لو كان إنجاز السيسى الوحيد أنه جعل مصر دولة «واقفة على رجليها» قادرة على قول «لا» وقت اللزوم فى وجه أعتى الدول، بعد سنوات من الفوضى والانهيار، لكان هذا يكفيه، فقد عشنا فى الماضى القريب أياما لم نكن فيها قادرين لا على صيانة كرامة، ولا على استقلالية قرار، ولا حتى على تأمين عمارة أو شقة، ولكن، ماذا تقول فى أناس لا يقرأون؟ ولا يفهمون؟ وماذا تقول فى أجيال صاعدة تجاهر دون خجل بأنها لا تطالع الصحف، ولا تتابع إعلام الدولة، لأنه «كخة»، ولا يناسب عبقريتها؟

فى زيارة الرئيس للنمسا، كان كل تركيز مصر على التعاون الاقتصادى وجذب الاستثمارات، ولكن على الجانب الآخر، كان هناك اهتمام نمساوي، وأوروبى أيضا، وفق تقارير إعلامية، ببحث إمكانية قيام مصر بدور «ما»، ليس دورها، لمساعدة أوروبا فى الحد من تدفق المهاجرين من أفريقيا على دولها.

طيب لماذا مصر تحديدا، ولماذا النمسا أيضا؟ طبعا، لأن مصر ستتولى فى أول يناير المقبل الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، وأيضا لأن النمسا الآن توشك على ختام رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي.

خلال الزيارة، نشرت «صحيفة فاينانشال» تايمز تقريرا بعنوان أوروبى «متعجرف» بامتياز وغير متناسب مع الواقع، يقول إن «النمسا» تضغط على مصر من أجل مساعدتها فى وقف الهجرة عبر المتوسط.

التقرير الذى كتبه كل من مايكل بيل من بروكسل وهبة صالح من القاهرة يتضمن بعض التفاصيل التى يجب أن نكون على علم بها، لو كانت كلها صحيحة ودقيقة، لندرك حجم ما تبذله الدولة المصرية بكل مؤسساتها من جهود للدفاع عن مصالحنا واقتصادنا وأمننا، وعن إفريقيا كلها أيضا، ولنربط هذا الكلام أيضا بما قاله الرئيس فى أكثر من مناسبة عن قضية الهجرة، وآخرها كلامه فى فيينا بعد محادثاته مع المستشار النمساوي.

تقرير الفاينانشال تايمز يقول إن الرئاسة النمساوية للاتحاد الأوروبى «تضغط» على مصر لمساعدتها فى كبح جماح الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط، وتريد إحياء حملة الاتحاد الأوروبى الرامية إلى تحميل دول شمال إفريقيا عبء استعادة المهاجرين غير الشرعيين الذين يتم رفض استقبالهم فى دول جنوب أوروبا بعد إنقاذهم فى مياه البحر، بمعنى أن تتحول دول شمال إفريقيا ومن بينها مصر ـ وهذا ما لم تقله الصحيفة صراحة - إلى دول تستضيف مخيمات على سواحلها الشمالية للمهاجرين المطرودين من «جنة» أوروبا، والذين تتم إعادتهم الآن إلى البحر!

هذا التقرير جاء فى الوقت الذى تحول فيه المهاجر غير الشرعى بالفعل إلى قنبلة موقوتة فى عمق المدن والقرى الأوروبية، فصار سببا فى اندلاع الاحتجاجات والعنف فى فرنسا وألمانيا وبلجيكا، ويكفى أن أعمال الشغب التى شهدتها العاصمة البلجيكية بروكسل قبل أيام كان هدفها الأساسى إعلان الرفض لمقررات قمة مراكش الأخيرة للهجرة، والتى منحت حقوقا إنسانية كبيرة للمهاجرين، على عكس ما تريده دول أوروبا، بتاعة الديمقراطية وحقوق الإنسان وكدة!

الصحيفة نقلت عن دبلوماسى أوروبى قوله «نريد أولا أن نمنع المهاجرين من مغادرة دولهم، وهنا يأتى دور مصر، لأنها فعالة جدا فى مياهها الإقليمية فى هذا الصدد»، ولكن الصحيفة مع ذلك تعترف بأن مصر ما زالت ترفض وبشدة أى محاولة لـ«تصدير» لاجئين إلى أراضيها، لدواعى أمنها القومي، حتى وإن كان ذلك نتيجة جهود مشتركة ومنسقة مع الجانب الأوروبى وباقى دول شمال إفريقيا، فضلا عن صعوبة عملية إعادة المهاجرين إلى دولهم الأصلية، باعتبار أن هؤلاء العائدين سيكونون بلا وثائق ولا هويات، ولا يريدون العودة إلى بلادهم أصلا.

أما الجزء الأهم فى التقرير فيقول إن الاتحاد الأوروبى يدرك أيضا أن مصر غير راغبة فى أى تعاون من هذا النوع، نظرا لمحدودية تدفق المهاجرين من الشواطئ المصرية فى السنوات الأخيرة، وهو ما أكده السيسى فى فيينا،. يعنى هذه باختصار «مش مشكلتنا»، كما أن هناك مخاوف حقيقية داخل الاتحاد الأوروبى نفسه من أن تطلب مصر ثمنا باهظا مقابل أى زيادة محتملة فى هذا التعاون، على غرار ما حدث من تركيا التى «لهفت» ستة مليارات من الدولارات بموجب اتفاق 2016 لكى تقبل إغلاق «حنفية» المهاجرين التى فتحتها على أوروبا بعد تدهور الأوضاع فى سوريا!

باختصار، فخور بمصر التى لا تبيع ولا تساوم، ولا ترضخ للضغوط، ولا تدافع إلا عن مصالحها ومحيطها، وفخور برئيسها الذى أعادها لنا قوية عفية، وليست صفرا على الشمال، أو «مكبا» لأزمات المنطقة كما أرادوا لها أن تكون بعد 2011 تحت مسمى الديمقراطية!


لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل

رابط دائم: 
كلمات البحث: