رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الإرهاب واستثمار الفوضى

منذ أكثر من أربعة أسابيع وفرنسا تعيش على وقع احتجاجات السترات الصفراء، التى أخذت من العنف والتخريب طريقة للتعبير عن مطالبها، التى لم تعد تقتصر فقط على التراجع على الضريبة المفروضة على الوقود، ولكن باتت تطالب بشكل قوى برحيل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون. وبالإضافة الى التكلفة السياسية والاقتصادية الثقيلة لهذه الاحتجاجات، الا أن أحد تداعياتها أيضا هو تزايد التهديدات الإرهابية على فرنسا، إذ ثمة مخاوف حقيقية من ان يحاول تنظيم داعش اختراق تظاهرات السترات الصفراء، واستغلال حالة الفوضى التى تتسبب فيها هذه الاخيرة من أجل تنفيذ عملياته داخل الاراضى الفرنسية.

ووفق مصادر إعلامية، فقد نشرت مجموعتين تابعتين للتنظيم ملصقات تحرض فيها ذئابها المنفردة على استغلال الاحتجاجات وتنفيذ هجمات ضد المدنيين. وتضمنت تلك الملصقات أوامر تنظيمية صريحة، جاء فيها: «يا أيتها الذئاب المنفردة، استغلوا الاحتجاجات فى فرنسا»، وأرفق معها صورا تعبر عن الادوات التى يمكن استعمالها فى هذه العمليات ومنها الطعن، وإطلاق النار، ودهس المارة بالسيارات.

وما يزيد من هذه التخوفات هو أن فرنسا توجد على رأس قائمة الدول الغربية المستهدفة من تنظيم داعش، ردا على مشاركتها فى الحرب التى استهدفت معاقله المركزية فى سوريا والعراق، وضلوعها بدور قوى فى التحالف الدولى ضد الإرهاب الذى تقوده امريكا، والتنظيم يسعى اليوم الى استغلال فوضى الاحتجاجات من أجل الانتقام، مستغلا فى ذلك المتعاطفين معه وخلاياه النائمة وذئابه المنفردة، وأيضا مقاتليه العائدين الى اوروبا، خاصة ان فرنسا كانت من أكثر البلدان الاوروبية المصدرة للمقاتلين الاجانب الى سوريا والعراق، عاد منهم اكثر من 300 مقاتل الى فرنسا بعد هزيمة التنظيم العسكرية فى معاقله.

إن تنظيم داعش من خلال الملصقات المذكورة، ومن خلال توجيه مقاتليه وذئابه الى استهداف فرنسا، إنما هو يسعى فى ذلك الى استغلال حالة الفوضى؛ وإن كانت لم تصل بعد الى الحد المقلق فى فرنسا؛ التى طالما كان يقتات منها من أجل بسط نفوذه او تكثيف عملياته. فاستراتيجية التنظيم تقوم على استغلال حالة الفوضى التى يمكن ان تعيشها بعض المناطق، وهى فوضى تتجاوز الحالات العادية لتصل إلى مرحلة من التوحش، التى ترى استراتيجية التنظيم ــ كما جاء فى مرجعيته الفكرية ادارة التوحش، أنها حالة ضرورية تعقب سقوط الدول الكبرى والإمبراطوريات سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، وعلى التنظيم التعامل معها وادارتها بشكل جيد، على اعتبار أنه سيكون على ــ حسب فكره ــ القوة التى ستحل محل الأنظمة القائمة.

من هذا المنطلق، تأتى محاولات داعش، استهداف فرنسا، وبنفس المنطق، أيضا، حول التنظيم هزيمته للأرض فى سوريا والعراق إلى وثيقة ميلاد له فى مناطق أخرى من العالم، خاصة فى البلدان التى تعانى حالة من الفوضى او تعانى فراغا فى الأجهزة السياسية والأمنية، مثل ليبيا ونيجيريا ومالي. وهو يسعى فى ذلك الى إثبات انه لايزال قادرا على الاستمرار والمقاومة وإلهام عناصره، وان كانت قد سقطت خلافته المزعومة.

والأكيد أيضا أنه لا يزال يمتلك قاعدة من المقاتلين الذين يدافعون عن أطروحاته فى أماكن متفرقة داخل وخارج سوريا والعراق، ولا يزال مؤثرا فى مجموعة كبيرة من العائدين منهم الى أوطانهم او اولئك المتعاطفين مع فكره من الذئاب المنفردة، والتى يبقى قادرا على تحريكها وتسخيرها لما يخدم اهدافه وأجندته. إن الفوضى هى أهم المرتكزات التى يعتمد عليها الإرهاب من أجل بسط نفوذه او تنفيذ تهديداته، ودون وجود فوضى وبؤر توتر وفراغ أمنى يبقى الإرهاب بعيدا عن التحقيق، ومع وجودها بعضها او كلها يكون قد وجد الأرضية الخصبة من أجل توجيه ضرباته، ولإرساء قواعده وتنفيذ استراتيجيته عن التوحش.

ولعل أكبر دليل على ذلك هو استفادة الإرهاب من الوضع الأمنى المتردى فى العراق بعد 2003، وفى سوريا وليبيا واليمن بعد 2011، واستغلاله، اليوم أيضا، الاضطرابات الموجودة فى معاقل خلافته سابقا (سوريا والعراق)، على أمل استردادها، بعدما اعاد ترتيب اوراقه وتركيز أهدافه، مستفيدا من حالة الاضطراب التى يعيشها العراق، والتوترات بين بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق.

إن الإرهاب لم ولن ينتهى مادامت هناك فى هذا العالم بؤر للحروب والصراعات، وارضيات للفوضى وصناعة الازمات. واذا كان تنظيم داعش يهدد فرنسا بعمليات منفردة، وان كان أيضا قد عاد، كما صرح مسئولون عراقيون، إلى مناطق عراقية بشكل أسوأ من ذى قبل، فإن خطره يبقى أكثر خطورة من السابق، مادامت الأسباب التى أدت إلى ظهوره لم تعالج، ومادامت استراتيجيته القائمة على استغلال الفوضى تجد دائما اراضى للاستثمار فيها.


لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى

رابط دائم: