قلبى على فرنسا انفطر!
قد يكون ما جرى هناك طوال الأيام الماضية ثورة، أو محاولة ثورة، أو مؤامرة، أو حتى بدايات ربيع أوروبى مدمر، ولكنه بالتأكيد لم يكن مجرد مظاهرات عادية، واسألونا نحن عن الثورات والمؤامرات والربيع!
الدلائل على الأرض كثيرة، وتشير إلى رائحة غير طبيعية بالفعل وراء ما حدث، وتعالوا سويا «نمشى واحدة واحدة» :
أولا: إهانة فرنسا كانت هدفا رئيسيا للمتظاهرين منذ اليوم الأول للاحتجاجات، و«زى الكتاب ما بيقول»، بدليل هذا الخراب والدمار الهائل الذى لحق بشارع الشانزليزيه وأبرز وأشهر معالم فرنسا التاريخية والحضارية!
ثانيا: إهانة رأس الدولة الفرنسية كانت هدفا رئيسيا أيضا للمتظاهرين، وبصورة لم تحدث من قبل مع أولاند أو ساركوزي، بدليل محاولتهم المتكررة اقتحام قصر الإليزيه، والاعتداء على ماكرون بإلقاء البيض فى وجهه!
ثالثا: إهانة جميع مؤسسات الدولة الفرنسية بلا استثناء كانت أيضا ضمن الخطة، بدليل أن المحتجين أغلقوا مدخل البرلمان بالجبس والأسمنت لمنع النواب من مغادرة المبني، وفى يوم آخر أحضروا «ونشا» لإلقاء القمامة ومياه الصرف الصحى على مقر الحكومة، وغير ذلك من الأعمال «الثورية» التى نحفظها جيدا عن ظهر قلب!
رابعا: تعمد المتظاهرون خنق فرنسا كلها عبر تركيز احتجاجاتهم وأعمالهم الفوضوية فى قلب باريس الذى يضم شارع الشانزليزيه وقوس النصر وعددا كبيرا من المعالم الشهيرة، ومن الملاحظات اللافتة للانتباه أن باقى المدن الفرنسية لم تشهد أنشطة احتجاجية بارزة بخلاف ما شهدته باريس، اللهم إلا خلال اليومين الماضيين فقط!
خامسا: الصدام مع الشرطة وحرق السيارات والممتلكات وأعمال السلب والنهب للمحال الكبرى فى وسط باريس، كل هذه تصرفات كان هدفها إحداث حالة من الانفلات الأمني، وإقناع المواطنين العاديين بأن الشرطة غير قادرة على تأمين البلاد، ولا الحكومة قادرة على تسيير الأمور.
سادسا: ظهر واضحا من اليوم الأول إصرار المتظاهرين على إلحاق أكبر قدر من الخسائر الاقتصادية بالدولة الفرنسية، وكأنها ليست دولتهم، ولا يتعلق الأمر فقط بالخسائر الهائلة التى لحقت بقطاع السياحة، وإنما أيضا لجوئهم إلى أفعال أخرى، مثل احتلال بوابات رسوم الطرق السريعة بدعوى منع الحكومة من استغلال مواردها المالية!
سابعا: ملامح فوضى أيام الربيع العربى «السوداء» ظهرت بوضوح فى احتجاجات أصحاب «السترات الصفراء»، مثل تخصيص يوم السبت للمظاهرات، وقطع الطرق الرئيسية واستخدام الشماريخ وزجاجات المولوتوف، وارتداء قناع «فينديتا» المشئوم، وترهيب الرافضين للمظاهرات وتحطيم ممتلكاتهم!
ثامنا: اتضح بمرور الوقت أن أصحاب السترات الصفراء هؤلاء ليسوا متظاهرين عاديين، ولا سلميين، وإنما عناصر مدربة بشكل جيد على حرب الشوارع والأعمال الفوضوية، وبعضهم يرقى إلى درجة ميليشيات حقيقية، كما تبين أن المجموعة نفسها ليست مجرد حركة احتجاجية محلية فرنسية، وإنما حركة فوضوية أوروبية واسعة النطاق، بدليل دعوتها إلى تنظيم احتجاجات مماثلة فى دول أوروبية أخرى مثل بلجيكا وهولندا وبريطانيا.
تاسعا: لوحظ ارتفاع سقف مطالب المتظاهرين بشكل غريب مع مرور الوقت، فبعد يوم أو يومين من رفع شعارات تتعلق بالمطالب الرئيسية، ظهرت هتافات ولافتات «ارحل»، للمطالبة بإقالة ماكرون، بل وشعارات أخرى ضد فرنسا نفسها كدولة!
عاشرا: رفض المتظاهرون الحوار مع الدولة منذ اليوم الأول، بل ورفضوا الانصياع لدعوات أحزاب المعارضة التقليدية بالتفاوض مع الحكومة، وحتى فى المرات القليلة التى حدث فيها حوار، كان هناك حرص من المحتجين على رفض النتائج مسبقا، وأخيرا انسحب ممثلوهم من المفاوضات بعد تلقيهم تهديدات من السادة «الثوار»!
حادى عشر: ظهر اتحاد غريب ونادر فى الاحتجاجات بين عناصر اليمين المتطرف وعناصر اليسار المتطرف، فضلا عن عناصر مشاغبة من المهاجرين العرب، وبخاصة من دول شمال افريقيا، ممن رفعوا شعارات شرق أوسطية بحتة لا علاقة لها بالهدف الأساسى المعلن من المظاهرات!
ثانى عشر: دخول داعش على الخط منذ اليوم الأول وتوجيه الدعوة إلى «الذئاب المنفردة» لاستغلال الفراغ الأمنى وشن هجمات إرهابية باسم الإسلام هى ذات الانتهازية التى لجأت إليها جماعات الإسلام السياسى والمنظمات الإرهابية مع اليوم الأول من مخططات إسقاط حكومات وأنظمة دول الربيع العربي.
وتبقى كلمة أخيرة : إذا صح تراجع ماكرون وخضوعه لمطالب المتظاهرين كما تردد بالأمس، فلا يلومن إلا نفسه، فستكون تلك هى الإهانة الحقيقية والأكبر والأخطر التى تلحق بفرنسا، وأوروبا.
لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل رابط دائم: